وهذا الفن نريد أن نودعه أبوابا من علم النفس ، من تدبّرها أيقن بوجودها شيئا غير المزاج ، وسائر أحوال العناصر الأربعة ؛ وتحقق أن لها بقاء ومعادا وأحوالا من دون الهيكل الذي تديره. وأعجب بمن ينكر وجود معنى غير منطبع في جسم يدبره ، ولا يتعجب من وجود جسم يدبر ، بل وجود جسم على الإطلاق ، وهل دله على وجود الجسم إلا البصر أو غيره من الحواس؟ فأيقن بغير الحواس أن (٢٥٠) وجوده صحيح لا شبهة فيه ، ثم لم ينكر (٢٥١) وجود معنى الجسم وعلمه بما علم به صحة وجود ما يؤدي البصر إلى النفس ، بل كثير من البيانات البرهانية أقوى عندي من هذه الاعتبارية ، أعني أن ما تلتقطه النفس عن الحس صحيح وجوده.
ثم دع هذا! هل ينكر من نظر نظرا يعتد به أن واجب الوجود الذي هو علة الجسم وغير الجسم واحد ، [من وجوه : منها لزوم المعلولية لوجوب الوجود] (٢٥٢) إن كان كثيرا ، أو كون الفصل علة لماهية (٢٥٣) الجنس إن فرض وجوب الوجود معنى جنسيا ، وأنه ليس بجسم ولا شيء من الماهيات التي يكون الوجود خارجا عنها ، ببيان أن المعدوم لا يكون (٢٥٤) علة للوجود ، وأن شيئا آخر ليس بجسم (٢٥٥) موجود وجود مدبّر متصرف في جسم.
وقد أنكر جماعة من أهل النظر إثبات النفس ، إلا أن المذهب المعتدّ به هو مذهب من يعتقد أنها المزاج ، لأن الأفعال النفسانية لا تصدر عنها إلا بواسطة المزاج ، ولا يتم فعل إلا به ، وقوى آراء الناس في [اعتدال المزاج] (٢٥٦) بوشك أن يكون هو الفاعل الأول لا الإله (٢٥٧).
فأما مذهب متكلمي الوقت وتمسكهم بأن النفس هو هذه الجملة ، فهو خسيس (٢٥٨) ضعيف ، لو لا أنهم فرحون به لما تكلمت عليه. فاسمع ما يروّح
__________________
(٢٥٠) لر : او.
(٢٥١) لر : ثم ينكر.
(٢٥٢) لر : من وجوده.
(٢٥٣) لر : للماهية.
(٢٥٤) ى : لا يكون كله علة للوجود.
(٢٥٥) «ليس بجسم» ساقطة من لر.
(٢٥٦) لر : في أن المزاج.
(٢٥٧) لر : فاعل الأول الاله.
(٢٥٨) لر : فهو جنس خسيس.