أو يكسوك جبّة» إذا أردت أن تخبر أنه يفعل واحد منهما لا بعينه ، وعليه قوله تعالى : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [النّمل : الآية ٢٧].
وإن لم يقصد ذلك ؛ فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية ، تعيّن الفصل ، كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٥) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : الآيتان ١٤ ، ١٥] لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على «قالوا» لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المقدّم ، وهو قوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) فإن استهزاء الله تعالى بهم ـ وهو أن خذلهم ، فخلّاهم وما سوّلت لهم أنفسهم ، مستدرجا إياهم من حيث لا يشعرون ـ متصل لا ينقطع بكل حال : خلوا إلى شياطينهم ، أم لم يخلوا إليهم ، وكذلك في الآيتين الأخيرتين فإنهم مفسدون في جميع الأحيان ، قيل لهم : لا تفسدوا ، أو لا ، وسفهاء في جميع الأوقات ، قيل لهم : آمنوا ، أو لا.
وإن لم يكن للأولى حكم كما سبق ، فإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع ، وليس في الفصل إبهام خلاف المقصود كما سيأتي ، أو كمال الاتّصال ، أو كانت الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى ، أو بمنزلة المتصلة بها ، فكذلك يتعين الفصل.
أما في الصورة الأولى ؛ فلأن الواو للجمع ، والجمع بين الشيئين يقتضي مناسبة بينهما كما مرّ.
أما في الثانية ، فلأن العطف فيها بمنزلة عطف الشيء على نفسه ، مع أن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.
وأما في الثالثة والرابعة ، فظاهر مما مرّ.
وأما كمال الانقطاع ؛ فيكون لأمر يرجع إلى الإسناد ، أو إلى طرفيه.
الأول : أن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء ، ولفظا ومعنى ، كقولهم : لا تدن من الأسد يأكلك ، وهل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة؟ بالرفع فيهما ، وقول الشاعر : [الأخطل ، غياث بن غوث التغلبي]
وقال رائدهم ؛ أرسوا نزاولها |
|
فكلّ حتف امرىء يجري بمقدار (١) |
أو معنى لا لفظا ، كقولك : مات فلان رحمه الله.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للأخطل في خزانة الأدب ٩ / ٨٧ ، والكتاب ٣ / ٩٦ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٧١ ، والمفتاح ص ٢٦٩ ، وشرح عقود الجمان ١ / ٢٠٢ ، والمصباح ص ٦٤ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٧ / ٥١.