الشاعر : [أسماء بن خارجة الفزاري]
خذي العفو مني تستديمي مودّتي
أي خذي ما تيسّر أخذه وتسهّل ، وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : الآية ١٩٩] أمر بإصلاح قوّة الغضب ، أي أعرض عن السّفهاء واحلم عنهم ، ولا تكافئهم على أفعالهم. هذا ما يرجع إليه منها. وأما ما يرجع إلى أمّته : فدلّ عليه بقوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف : الآية ١٩٩] أي : بالمعروف والجميل من الأفعال. ولهذا قال جعفر الصادق (١) رضي الله عنه ـ فيما روي عنه : أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لها من هذه الآية.
ومنها قول الشريف الرضي :
مالوا إلى شعب الرّحال وأسندوا |
|
أيدي الطّعان إلى قلوب تخفق (٢) |
فإنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام : عبّر عن ذلك بقوله : «أيدي الطعان».
ومنه ما كتب عمرو بن مسعدة عن المأمون ، لرجل يعنى به ، إلى بعض العمال ، حيث أمره أن يختصر كتابه ما أمكن : «كتابي إليك كتاب واثق ممّن كتب إليه ، معنيّ بمن كتب له ، ولن يضيع بين الثّقة والعناية حامله».
الضرب الثاني : إيجاز الحذف ، وهو ما يكون بحذف.
والمحذوف : إما جزء جملة أو جملة ، أو أكثر من جملة.
والأول : إمّا مضاف ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : الآية ٨٢] أي : أهلها ، وكقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : الآية ٣] أي : تناولها. لأن الحكم الشرعي إنما يتعلق بالأفعال ، دون الإجرام ، وقوله : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النّساء : الآية ١٦٠] أي : تناول طيّبات أحلّ لهم تناولها ، وتقدير التناول أولى من تقدير الأكل ؛ ليدخل فيه شرب ألبان الإبل. فإنها من جملة ما حرّمت عليهم ، وقوله : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) [الأنعام : الآية ١٣٨] أي : منافع ظهورها. وتقدير المنافع أولى من تقدير الركوب. لأنهم
__________________
(١) جعفر الصادق : هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ملقب بجعفر الصادق ، سادس الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية ، توفي سنة ١٤٨ ه (انظر ترجمته في كتاب الوفيات ص ١٢٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٩١ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٠ ، حلية الأولياء ٣ / ١٩٢ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٠٩ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ / ٤٤٤).
(٢) البيت من الكامل ، وهو في ديوان الشريف الرضي ٢ / ٤٣.