وبين أن تقول : «أرى قوما لهم منظر» وتقطع الكلام ، وأن تتبعه نحو قول ابن لنكك :
في شجر السّرو منهم مثل |
|
له رواء ، وما له ثمر (١) |
وانظر في جميع ذلك إلى المعنى في الحالة الثانية : كيف يتزايد شرفه عليه في الحالة الأولى؟!
ولذلك أسباب :
منها : ما يحصل للنفس من الأنس بإخراجها من خفيّ إلى جليّ ، كالانتقال مما يحصل لها بالفكرة إلى ما يعلم بالفطرة ، أو بإخراجها مما لم تألفه إلى ما ألفته ، كما قيل : [أبو تمام]
ما الحبّ إلّا للحبيب الأوّل (٢)
أو مما تعلمه إلى ما هي به أعلم ، كانتقال من المعقول إلى المحسوس ، فإنك قد تعبّر عن المعنى بعبارة تؤدّيه وتبالغ ، نحو أن تقول وأنت تصف اليوم بالقصر يوم كأقصر ما يتصوّر. فلا يجد السامع له من الأنس ما يجده لنحو قولهم : «أيام كأباهيم القطا» وقول الشاعر :
ظللنا عند باب أبي نعيم |
|
بيوم مثل سالفة الذّباب (٣) |
وكذا تقول : فلان إذا همّ بالشيء لم يزل ذاك عن ذكره ، وقصر خواطره على إمضاء عزمه فيه ، ولم يشغله عنه شيء ، فلا يصادف السامع له أريحية ، حتى إذا قلت : [سعد بن ناشب] :
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه (٤)
امتلأت نفسه سرورا ، وأدركته هزّة لا يمكن دفعها عنه.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في أسرار البلاغة ص ٩٩.
(٢) صدر البيت :
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ويليه :
كم منزل في الأرض يألفه الفتى |
|
وحنينه أبدا لأول منزل |
والبيتان من الكامل ، وهما في ديوان الصبابة لأبي تمام ص ١٥.
(٣) البيت بلا نسبة في المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ص ٥٤٣.
(٤) عجز البيت :
ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
والبيت بلا نسبة في المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ص ٥٤٣.