ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (١) |
الجهل الأول حقيقة ، والثاني مجاز عبّر به عن مكافأة الجهل.
وكذا قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشّورى : الآية ٤٠] تجوّز بلفظ السيئة عن الاقتصاص ؛ لأنه مسبّب عنها.
قيل : وإن عبّر عما ساء ـ أي أحزن ـ لم يكن مجازا لأن الاقتصاص محزن في الحقيقة كالجناية.
وكذا قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : الآية ٥٤] تجوّز بلفظ المكر عن عقوبته ؛ لأنه سببها.
قيل : ويحتمل أن يكون مكر الله حقيقة ؛ لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم ، وهذا محقّق من الله تعالى ، باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعدّ لهم من نقمه.
ومنها : تسمية السبب باسم المسبّب ، كقولهم : أمطرت السماء نباتا وعليه قولهم : «كما تدين تدان» أي كما تفعل تجازى.
وكذا لفظ الأسنمة في قوله يصف غيثا :
أقبل في المسنّنّ من ربابه |
|
أسنمة الآبال في سحابه (٢) |
وكذا تفسير إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزّمر : الآية ٦] بإنزال الماء على وجه ؛ لأنها لا تعيش إلا بالنبات ، والنبات لا يقوم إلا بالماء ، وقد أنزل الماء ، فكأنه أنزلها ، ويؤيّده ما ورد : أن كل ما في الأرض من السماء ، ينزله الله تعالى إلى الصخرة ، ثم يقسمه ، قيل : وهذا معنى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزّمر : الآية ٢١].
وقيل : معناه : وقضى لكم لأن قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء ؛ حيث كتب في اللوح كل كائن يكون. وقيل : خلقها في الجنة ، ثم أنزلها.
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٧٨ ، ولسان العرب (رشد) ، وأمالي المرتضى ١ / ٥٧ ، ٣٢٧ ، ٢٢ / ١٤٧ ، والبصائر ، والذخائر ٢ / ٨٢٩ ، وبهجة المجالس ٢ / ٦٢١ ، وجمهرة أشعار العرب ١ / ٤١٤ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٣٧ ، وشرح ديوان امرىء القيس ص ٣٢٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢٠ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٢٦ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٦٦ ، وشرح المعلقات السبع ص ١٧٨ ، وشرح المعلقات العشر ص ٩٢ ، وعيون الأخبار ٢ / ٢١١ ، وبلا نسبة في لسان العرب (خدع) ، والمخصص ٣ / ٨١ ، وأساس البلاغة (جهل).
(٢) الرجز ، وهو في الكامل للمبرد ٢ / ٦٨.