وعليه قوله عز وجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) [الفاتحة : الآية ٦] ، أي الدين الحقّ.
وأما قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النّحل : الآية ١١٢] فعلى ظاهر قول الشيخ جار الله العلّامة استعارة عقليّة ، لأنه قال : شبّه باللّباس ـ لاشتماله على اللابس ـ ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث ، وعلى ظاهر قول الشيخ صاحب المفتاح حسّيّة ، لأنه جعل اللباس استعارة لما يلبسه الإنسان عند جوعه وخوفه ، من امتقاع اللون ، ورثاثة الهيئة.
فالاستعارة : ما تضمّن تشبيه معناه بما وضع له.
والمراد بمعناه : ما عني به ، أي : ما استعمل فيه ؛ فلم يتناول ما استعمل فيما وضع له ، وإن تضمّن التشبيه به ، نحو : زيد أسد ، ورأيته أسدا ، ونحو : رأيت به أسدا ؛ لاستحالة تشبيه الشيء بنفسه.
على أن المراد بقولنا : «ما تضمن» مجاز تضمن ؛ بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها ، والمجاز لا يكون مستعملا فيما وضع له.
وهاهنا شيء لا بد من التنبيه عليه ، وهو أنه إذا أجري في الكلام لفظ دلّت القرينة على تشبيه شيء بمعناه ، فيكون ذلك على وجهين :
أحدهما : أن لا يكون المشبه مذكورا ولا مقدرا كقولك : «رنت لنا ظبية» وأنت تريد «امرأة» و «لقيت أسدا» وأنت تريد «رجلا شجاعا» ولا خلاف أن هذا ليس بتشبيه ، وأن الاسم فيه استعارة.
والثاني : أن يكون المشبه مذكورا أو مقدّرا ، فاسم المشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر ـ كخبر «كان» و «إنّ» والمفعول الثاني لباب «علمت» والحال ـ فالأصح أنه يسمّى تشبيها ، وأن الاسم فيه لا يسمّى استعارة ؛ لأن الاسم إذا وقع هذه المواقع ؛ فالكلام موضوع لإثبات معناه لما يعتمد عليه ، أو نفيه عنه ؛ فإذا قلت : زيد أسد» فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد ، وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له ؛ فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه فيكون خليقا بأن يسمّى تشبيها ؛ إذ كان إنما جاء ليفيده بخلاف الحالة الأولى ، فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء ، كما إذا قلت : جاءني أسد ، ورأيت أسدا ، فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد ، والرؤية واقعة منك عليه ، لا لإثبات معنى الأسد لشيء ؛ فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه ، وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير ، لا يعلم إلا بعد الرجوع إلى شيء من النفار.