واحدة ولا يكونان مترادفين؟! فيتهيأ لنا بهذا الطريق دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية ؛ فلا يفيده ، لأن ذلك لا يقتضي كون اسم المنية غير مستعمل فيما هو موضوع له على التحقيق من غير تأويل ؛ فيدخل في تعريفه للحقيقة ، ويخرج من تعريفه للمجاز ، وكأنه لما رأى علماء البيان يطلقون لفظ الاستعارة على نحو ما نحن فيه وعلى أحد نوعي المجاز اللغوي ـ الذي هو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي ـ ويقولون : الاستعارة تنافي ذكر طرفي التشبيه ؛ ظن أن مرادهم بلفظ الاستعارة عند الاستعارة عند الإطلاق ، وفي قولهم : «استعارة بالكناية» ؛ معنى واحد ؛ فبنى على ذلك ما تقدم.
ومنها : أنه قال في آخر فصل الاستعارة التبعية : هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب في مبدأ الفصل ، ولو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية من قسم الاستعارة بالكناية ، بأن قلبوا ، فجعلوا في قولهم «نطقت الحال بكذا» الحال ـ التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح ـ استعارة بالكناية عن المتكلم بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام ، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة ، كما تراهم في قوله : [أبو ذؤيب ، خويلد بن خالد]
وإذا المنية أنشبت أظفارها (١)
يجعلون المنية استعارة بالكناية عن السبع ، ويجعلون إثبات الأظفار لها قرينة الاستعارة ، وهكذا لو جعلوا البخل استعارة بالكناية عن حيّ أبطلت حياته بسيف أو غير سيف فالتحق بالعدم ، وجعلوا نسبة القتل إليه قرينة الاستعارة ، ولو جعلوا أيضا اللهّذميّات استعارة بالكناية عن المطعومات اللطيفة الشهيّة على سبيل التهكم ، وجعلوا نسبة لفظ القرى إليها قرينة الاستعارة لكان أقرب إلى الضبط.
هذا لفظه ، وفيه نظر ؛ لأن التبعية التي جعلها قرينة لقرينتها التي جعلها استعارة بالكناية كـ «نطقت» في قولنا : «نطقت الحال بكذا» لا يجوز أن يقدرها حقيقة حينئذ ؛ لأنه لو قدرها حقيقة لم تكن استعارة تخييلية ؛ لأن الاستعارة التخييلية عنده مجاز كما مر ،
__________________
(١) عجز البيت :
ألفيت كلّ منيّة لا تنفع
والبيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٨ ، وتهذيب اللغة ١١ / ٣٨٠ ، ١٤ / ٢٦٠ ، وسمط اللآلي ص ٨٨٨ ، وأمالي القالي ٢ / ٢٥٥ ، وكتاب الصناعتين ص ٢٨٤ ، وللهذلي في لسان العرب (تمم) ، وبلا نسبة في لسان العرب (نشب) ، وتاج العروس (نشب) ، (تمم) ، والعقد الفريد ٥ / ٢٤.