الثانية : المطلوب بها صفة ، وهي ضربان : قريبة ، وبعيدة.
القريبة : ما ينتقل منها إلى المطلوب بها ، لا بواسطة.
وهي إما واضحة كقولهم كناية عن طويل القامة : «طويل نجاده ، وطويل النجاد» والفرق بينهما أن الأول كناية ساذجة ، والثاني كناية مشتملة على تصريح ما ؛ لتضمن الصفة فيه ضمير الموصوف ، بخلاف الأول.
ومنها قول الحماسي :
أبت الرّوادف والثّديّ لقمصها |
|
مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا (١) |
وإما خفيّة كقولهم كناية عن الأبله : «عريض القفا» فإن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرط ـ فيما يقال ـ دليل الغباوة ، ألا ترى إلى قول طرفة بن العبد :
أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه |
|
خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (٢) |
والبعيدة : ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة كقولهم كناية عن الأبله : «عريض الوسادة» فإنه ينتقل من عرض الوسادة إلى عرض القفا ، ومنه إلى المقصود.
وقد جعله السكاكي من القريبة على أنه كناية عن عرض القفا ، وفيه نظر.
وكقولهم : «كثير الرماد» كناية عن المضياف ، فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومنها إلى كثرة الطبائخ ، ومنها إلى كثرة الأكلة ، ومنها إلى كثرة الضيفان ، ومنها إلى المقصود.
وكقوله : [ابن هرمة]
وما يك فيّ من عيب فإنّي |
|
جبان الكلب مهزول الفصيل (٣) |
فإنه ينتقل من جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد لأن يعسّ دونها ، مع كون الهرير في وجه من لا يعرفه طبيعيا له ، إلى استمرار تأديبه ؛ لأن الأمور الطبيعية لا تتغير بموجب لا يقوى ، ومن ذلك إلى استمرار موجب نباحه وهو
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩٢ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢٣ ، والطراز ١ / ٤٢٤ ، وديوان الحماسة لأبي تمام ص ٣٣٨.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان طرفة بن العبد ص ٣٧ ، والدرر ١ / ٢٨١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٥٨ ، ولسان العرب (ضرب) ، (جعد) ، (خشش) ، (أصل) ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ٨٦.
(٣) البيت من الوافر ، وهو لابن هرمة في حماسة البحتري ، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٧ ، ومفتاح العلوم ص ١٩١ ، والإيضاح ص ٣١ ، والطراز ١ / ٤٢٢ ، وليس في ديوانه.