وقوله : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) (الزخرف : ٤٩) ، أي يأيها العالم الكامل ؛ وإنما قالوا هذه تعظيما وتوقيرا منهم له ؛ لأن السحر عندهم كان عظيما وصنعة ممدوحة.
وقيل : معناه يأيها الذي غلبنا بسحره ، كقول العرب : خاصمته فخصمته ، أي غلبته بالخصومة ، ويحتمل أنهم أرادوا تعييب موسى عليهالسلام بالسحر ، ولم ينافسهم في مخاطبتهم به ، رجاء أن يؤمنوا.
٤ ـ / ٥٧ وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤) ، جيء ب «إن» التي للشك وهو واجب ، دون «إذ» التي للوجوب ، سوقا للكلام على حسب حسبانهم أنّ معارضته فيها للتهكّم ، كما يقوله الواثق بغلبته على من يعاديه. «إن غلبتك» ، وهو يعلم أنه غالبه تهكّما به.
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) ، والمراد ب «من لا يخلق» الأصنام ، وكان أصله كما لا يخلق ، لأن «ما» لمن لا يعقل بخلاف «من» ، لكن خاطبهم على معتقدهم ؛ لأنهم سمّوها آلهة ، وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم ، كقوله للأصنام : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ ...) (الأعراف : ١٩٥) الآية ، أجرى عليهم ضمير أولي العقل. كذا قيل.
ويردّ عليه أنه إذا كان معتقدهم خطأ وضلالة ، فالحكم يقتضي أ[ن] (١) ينزعوا عنه ويقلعوا ، لا أن يبقوا عليه ؛ إلا أن يقال : الغرض من الخطاب الإيهام ، ولو خاطبهم على خلاف معتقدهم فقال : «كما لا يخلق» ، لاعتقدوا أن المراد به غير الأصنام من الجماد.
وكذا ما ورد من الخطاب بعسى ولعلّ ؛ فإنها على بابها في الترجّي والتوقع ، ولكنه راجع إلى المخاطبين ، قال الخليل وسيبويه (٢) قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) : اذهبا إلى رجائكما وطمعكما ، لعلّه يتذكر عندكما ، فأما الله تعالى
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة ، وتصحفت في المطبوعة إلى (ألا) والصواب ما أثبتناه وهو الموافق للسياق.
(٢) انظر «الكتاب» لسيبويه ١ / ٣٣١ باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والاسماء.