بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقابلة الجمع بالجمع (١)
تارة يقتضي مقابلة كل فرد من هذا بكل فرد من هذا ، كقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (المائدة : ٤٨) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : ٤٣) (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) (البقرة : ٢٣٨) فإن الصلاة والزكاة في معنى الجمع ، فيقتضي اللفظ ضرورة أنّ كل واحد مأمور بجميع الصلوات (٢) وبالاستباق إلى كلّ خير (٢) ، كما يقال : لبس القوم ثيابهم ، وركبوا دوابّهم.
وقوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) (يوسف : ٣١) أي لكل واحدة منهنّ. وقوله :
(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) (فاطر : ٣٧) لأنه لا يجوز أن يتذكّر جميع المخاطبين بهذا القول في مدة وعمر واحد.
وقوله : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) (المرسلات : ٣٢) أي كل واحدة من هذا الشرر كالقصر ، والقصر : البيت من أدم ، كان يضرب على الماء إذا نزلوا به ، ولا يجوز أن يكون الشرر كله كقصر واحد ؛ لأنه مناف للوعيد ، فإنّ المعنى تعظيم الشرر ؛ أي كلّ واحد من هذا الشرر كالقصر ، ويؤكده قوله بعده : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (المرسلات : ٣٣) فشبّه بالجماعة ، أي فكل واحدة من هذا الشرر كالجمل فجماعته ، إذ الجمالات الصّفر كذلك الأول ؛ كلّ شررة منه كالقصر ؛ قاله ابن جنّي (٣).
٤ ـ / ٤ وقوله : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) (نوح : ٧). وقوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ
__________________
(١) هذا الفن تابع للنوع السادس والأربعين : في أساليب القرآن وفنونه البليغة ، وهو أوسع أنواع الكتاب وأوله في ٢ / ٤٨٠.
(٢) عبارة المخطوطة (وبسياق كل خير).
(٣) انظر «الخصائص» ٣ / ٣٢٦ باب في جمع الأشباه حيث ذكر قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ...).