(قاعدة في الضمائر)
وقد صنف ابن الأنباريّ (١) في «بيان الضمائر الواقعة في القرآن» مجلدين ـ وفيه مباحث :
الأول : للعدول إلى الضمائر أسباب :
ـ منها ـ وهو أصل وصفها ـ للاختصار ، ولهذا قام قوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب : ٣٥) مقام خمسة وعشرين [كلمة] (٢) لو أتى بها مظهرة وكذا قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) (النور : ٣١) نقل ابن عطية عن مكّي ، أنه ليس في كتاب الله آية اشتملت على ضمائر أكثر منها ، وهي مشتملة على خمسة وعشرين ضميرا. وقد قيل : في آية الكرسي أحد وعشرون اسما ؛ ما بين ضمير وظاهر.
ـ ومنها ، الفخامة بشأن صاحبه ؛ حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدلّ على نفسه ، ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته ، كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر : ١) يعني القرآن ، وقوله : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (البقرة : ٩٧) ومنه ضمير الشأن.
ـ ومنها التحقير ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة : ١٦٨) يعني الشيطان. وقوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف : ٢٧) (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (الانشقاق : ١٤). ٤ / ٢٥
الثاني : الأصل أن يقدم ما يدلّ [عليه] (٣) الضمير ، بدليل الأكثرية وعدم التكليف ، ومن ثم ورد قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ) [٢٥٣ / أ] (بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة : ٢٨٢) وتقدّم المفعول الثاني في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ) (الأنعام : ١١٢) فأخّر المفعول الأول ليعود الضمير الأول عليه لقربه.
وقد قسم النحويون ضمير الغيبة إلى أقسام :
ـ (أحدها) ـ وهو الأصل ، أن يعود إلى شيء سبق ذكره في اللفظ بالمطابقة ، نحو : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ [فَغَوى]) (٤) (طه : ١٢١) (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) (هود : ٤٢) (إِذا
__________________
(١) هو أبو بكر محمد بن القاسم الانباري تقدم التعريف به في ١ / ٢٩٩. وبكتابه في ٢ / ٣٤٥.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) ليست في المخطوطة.