وأما التأبيد فلا يدل على الدّوام ، تقول : زيد يصوم أبدا ، ويصلي أبدا ؛ وبهذا يبطل تعلّق المعتزلة بأن «لن» تدل على امتناع الرؤية (١) ؛ ولو نفي ب «لا» لكان لهم فيه متعلق ؛ إذ لم يخصّ بالكتاب أو بالسنة ، وأما الإدراك الذي نفي ب «لا» فلا يمنع من الرؤية ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوسلم «إنّكم ترون ربكم» (٢) ، ولم يقل : «تدركون ربكم» ، والعرب تنفي المظنون ب «لن» (٣) والمشكوك ب «لا».
وممن صرح بأن التأبيد عبارة عن الزمن الطويل لا عن الذي لا ينقطع ابن الخشاب (٤).
وقد سبق مزيد كلام فيها في فصل التأكيد (٥) وأدواته. قيل : وقد تأتي للدعاء كما أتت «لا» لذلك ، ومنه قوله تعالى : (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص : ١٧).
ومنعه آخرون ، لأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم ؛ بل إلى المخاطب والغائب ، نحو : يا رب لا عذبت فلانا! ونحوه : لا عذب الله عمرا.
٦٧ ـ لكن
للاستدراك مخففة ومثقّلة ؛ وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق ، تقول : ما زيد شجاعا ولكنه (٦) كريم ، فرفعت ب «لكن» ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له ، لكونهما
__________________
(١) انظر «الكشاف» ٢ / ٨٩ ـ ٩٠ عند تفسير سورة الأعراف ، فقد ذكر استدلال المعتزلة على نفي الرؤية ، وانظر «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لن ، حيث رد قول الزمخشري وما فيه من استدلال المعتزلة.
(٢) قطعة من حديث متفق عليه من رواية جرير بن عبد الله رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٣٣ كتاب مواقيت الصلاة (٩) ، باب فضل صلاة العصر (١٦) ، الحديث (٥٥٤) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٤٣٩ كتاب المساجد (٥) ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر (٣٧) ، الحديث (٢١١ / ٦٣٣).
(٣) في المخطوطة (العرب تنفي المظنون ب «لا»).
(٤) هو عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ ، وفي المخطوطة عقب ذكر ابن الخشاب زيادة عبارة غير واضحة (في كتاب السون).
(٥) تصحفت في الأصول إلى (التأبيد) ، والصواب ما أثبتناه (التأكيد) حيث ذكره الزركشي في النوع السادس والأربعين ٢ / ٥١٦ ـ ٥١٨ ضمن كلامه عن أساليب القرآن وفنونه البليغة ، ومنها الأسلوب الأول التأكيد ، ثم ذكر أدوات التأكيد وقال : (رابعا «لن»).
(٦) عبارة المطبوعة (ولكنه غير كريم).