كالمتضايفين (١) ؛ فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء ؛ وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه [ما] (٢) فلا يجوز وقوعها بين متوافقين ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) (الأنفال : ٤٣) ، (٣) [لكونه جاء في سياق «لو» ، «ولو» تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ؛ فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى ؛ فلما قيل] (٣) : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم ؛ وهو نفي الرؤية ، فعلم أن المعنى [٣١٥ / أ] ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلّمكم ، فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه.
قال ابن الحاجب (٤) : الفرق بين «بل» و «لكن» ؛ وإن اتفقا في أنّ الحكم للثاني ؛ أنّ «لكن» (٥) وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما ، ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد ؛ وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا ، كقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو ؛ ولو قلت : جاءني زيد لكن عمرو ، لم يجز لما ذكرنا. وأما بل فللإضراب مطلقا ، موجبا كان الأول أو منفيا.
وإذا ثقّلت فهي من أخوات «إنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر ؛ ولا يليها الفعل.
وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (الكهف : ٣٨) ، و «هو» ضمير الرفع ، فجوابه أنها هنا ليست المثقّلة بل [هي] (٦) المخففة ؛ والتقدير : لكن أنا هو الله ربي ؛ ولهذا تكتب في المصاحف بالألف ؛ ويوقف عليها بها ؛ إلا أنهم ألقوا حركة الهمزة على النون ؛ فالتقت النونان ، فأدغمت الأولى في الثانية ، وموضع «أنا» رفع
__________________
(١) كذا في الأصول والعبارة غير ظاهرة ، وعبارة ابن هشام أظهر حيث قال في «مغني اللبيب» ١ / ٢٩١ حرف اللام ، لكن : (وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهّم ثبوته نحو «ما زيد شجاعا لكنه كريم» لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان ، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر) ، وعليه لعل صواب عبارة الكتاب (فرفعت ب «لكن» ما أفهمه نفي الوصف بالشجاعة من نفي ثبوت الكرم له ...) والله أعلم.
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) ليست في المخطوطة ، وإنما في المخطوطة (لأن المعنى ولكن الله ما أراكهم كثيرا فاستقام بهذا المعنى ، وإنما فهم ذلك من قوله ...).
(٤) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (لم يكن).
(٦) ليست في المخطوطة.