٤ / ٦٣ وقال أيضا في الكتاب المذكور (١) في قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ [إِذْ]) (٢) ذَهَبَ مُغاضِباً ... (الأنبياء : ٨٧) الآية أضافه هنا إلى «النون» وهو الحوت ، وقال في سورة القلم : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (القلم : ٤٨) ، وسماه [هنا] (٣) «ذا النون» ، والمعنى واحد ، ولكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالين ، وتنزيل الكلام في الموضعين ، فإنه حين ذكره في موضع الثناء عليه ، قال (ذَا النُّونِ) ، ولم يقل «صاحب الحوت» (٢) [والإضافة ب «ذو» أشرف من الإضافة «بصاحب» ثم أضافه إلى النون وهو الحوت] (٢) ولفظ النون أشرف لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء ، في أوائل السور ، نحو (ن وَالْقَلَمِ) وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه. فالتفت إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلح لك ما أشرت إليه في هذا ، فإن التدبر لإعجاز القرآن واجب مفترض» (٤).
وقال الشيخ أبو محمد المرجاني (٥) في قوله تعالى : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (النمل : ٢٧) ، خاطبه بمقدمة الصدق مواجهة ، ولم يقدّم الكذب ، لأنّه متى أمكن حمل الخبر على الصدق لا يعدل عنه ، ومتى كان يحتمل ويحتمل ، قدّم الصدق ؛ ثم لم يواجهه بالكذب ، بل أدمجه في جملة الكذابين ، أدبا في [٢٦٠ / ب] الخطاب.
[قلت] (٦) ومثله : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (يوسف : ٢٦ ـ ٢٧) وكذا قوله تعالى عن مؤمن آل فرعون : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ).
(غافر : ٢٨) وهذان المثالان من باب إرخاء العنان للخصم ، ليدخل في المقصود بألطف موعود.
قاعدة
٤ ـ / ٦٤ من أساليب القرآن : حيث ذكر الرحمة والعذاب ، أن يبدأ بذكر الرحمة ، كقوله تعالى :
__________________
(١) انظر «التعريف والإعلام» ص ١١٣ ـ ١١٤ ومن سورة الأنبياء عليهمالسلام.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) هنا نهاية قول السهيلي.
(٥) لعله محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف المعروف بالمرجاني ولد سنة (٧٦٠ ه) بمكة وسمع بها على قاضي الديار المصرية عز الدين بن جماعة ، ورحل إلى دمشق فقرأ على المسند شمس الدين محمد بن أحمد الأسمري المنبجي ، وعني بفنون من العلم ومهر في العربية ومتعلقاتها وله معرفة بالأدب ، توفي وقت العصر من يوم السبت خامس شهر رجب سنة (٨٢٧ ه) (العقد الثمين ١ / ٤٢٩ ـ ٤٣٢).
(٦) ليست في المطبوعة.