وأيضا ولأن بين الحالين بونا من ثلاثة أوجه : قصر المدة في الجب وطولها في السجن ، وأن الجبّ كان في حال صغره ، ولا يعقل فيها المصيبة ، ولا تؤثر في النفس كتأثيرها في [حال الكبر] (١) والثالث أن أمر الجبّ كان بغيا وظلما لأجل الحسد وأمر السجن كان لعقوبة أمر دينيّ هو منزّه عنه ، وكان أمكن في نفسه. والله أعلم بمراده.
ومثله قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (البقرة : ١٨٧) ، وقال : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) (النساء : ٢٤) ، فحذف الفاعل عند ذكر الرفث وهو الجماع ، وصرح به عند إحلال العقد.
وقال تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (المائدة : ٣) ، فحذف الفاعل عند ذكر هذه الأمور.
٤ ـ / ٦٢ وقال : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الأنعام : ١٥١).
وقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ونظائر ذلك [كثيرة] (٢) في القرآن.
وقال السهيليّ في كتاب «الإعلام» (٣) في قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) (مريم : ٥٢) وقال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) (القصص : ٤٤) ، والمكان المشار إليه واحد ، قال : ووجه الفرق بين الخطابين أن الأيمن إمّا مشتق من اليمن ، (٤) [وهو البركة ، أو مشارك له في المادة ، فلما حكاه عن موسى في سياق الإثبات أتى بلفظه ، ولمّا خاطب محمدا صلىاللهعليهوسلم في سياق النفي عدل إلى لفظ «الغربي» لئلاّ يخاطبه ، فيسلب عنه فيه لفظا مشتقّا من اليمن] (٤) أو مشاركا في المادة ، رفقا بهما في الخطاب ، وإكراما لهما. هذا حاصل ما ذكره بمعناه موضحا.
وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب.
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) هو «التعريف والإعلام فيما أبهم من الاسماء والأعلام في القرآن الكريم» وقوله في ص ١٣٣ ومن سورة القصص.
(٤) ليست في المخطوطة.