إذا ما واصلنا المسير من هذا المكان وفى اتجاه الشمال ، وبمحاذاة المسجد الحرام ندخل شارعا طويلا اسمه المساسة. الشوارع الفرعية الموجودة على اليمين ، عند الاقتراب من المساسة هى التى تكوّن حى الصفا ، الذى اشتق اسمه من جبل الصفا الذى سبق أن وصفناه. المنازل المحيطة بهذا المكان عبارة عن مبان أنيقة ، كما أن الأجانب الأثرياء ينزلون ويقيمون فى هذا الحى فى موسم الحج. يسكن فى هذا الحى أيضا أغا طواشى المسجد الحرام ، إضافة أيضا إلى الصبية الطواشيّة الذين يتلقون العلم هنا ، إلى أن يبلغوا السن الذى يسمح لهم بالعيش فى مساكن خاصة بهم.
نتحول الآن إلى المسعى ، أول شوارع مكة وأكثرها استقامة ، ومن أحسن الشوارع من حيث البناء. هذا الشارع أخذ اسمه من طقس السعى ، الذى يجرى تنفيذه فى هذا الشارع ، والذى سبق أن تناولته بالوصف ، بسبب هذا الظرف من ناحية ، وامتلاء هذا الشارع بالدكاكين من ناحية أخرى ، نجد أن هذا الشارع هو أكثر أماكن المدينة ضوضاء وحركة. الدكاكين هنا لها الوصف نفسه الذى أوردناه عن دكاكين جدة ، بالإضافة إلى حوالى اثنى عشر دكانا من دكاكين السمكرة ، الذين يصنعون القوارير مختلفة الأنواع من الصفيح والقصدير التى يستعملها الحجاج فى نقل ماء زمزم إلى بيوتهم أثناء عودتهم إلى أوطانهم. الدكاكين هنا عبارة عن مخازن فى الأدوار الأرضية من المنازل ، وأمام كل دكان توجد مصطبة من الحجر ، فوق هذه المصطبة يجلس التاجر تحت مظلة هزيلة مصنوعة من الحصير المثبت فى أعمدة طويلة ، هذه العادة سائدة فى سائر أنحاء الحجاز. كل منازل المسعى مستأجرة من الحجاج الأتراك. عند وصول جماعة من الحجاج من جدة ، وهذا هو ما يحدث صباح كل يوم تقريبا طوال أربعة أشهر أو خمسة من العام ، يقومون بوضع أمتعتهم فى شارع المسعى ، ليذهبوا بعد ذلك لزيارة المسجد الحرام ، ثم يبدءون بعد ذلك فى البحث عن السكن ، وعلى هذا النحو كنت أجد الشارع كل يوم ، وهو عامر بالزائرين الجدد ، وحملة الأخبار ، وكذلك المرشدين أو إن شئت فقل المطوفين.