الجدب والقحولة التى هى عليها الآن. الأزرقى المؤرخ يتحدث عن حدائق فى هذا الوادى ، كما يصف الرجل عيونا مائية عدة ، وآبارا لم يعد لها وجود ، وربما تكون السيول هى التى ردمت تلك الآبار والعيون. الفاسى هو الآخر يؤكد أن المدينة فى أيامه كانت تحتوى على ما لا يقل عن ثمانية وخمسين بئرا. لكن فى المراحل المبكرة من تاريخ الجزيرة العربية ، نجد أن هذا المكان كان قاحلا تماما ، والقرآن يؤكد هذا الوصف عند ما يقول : «واد غير ذى زرع» يقول الأزرقى أيضا إنه قبل إنشاء المنازل هنا بواسطة القوصاى ، كان الوادى عامرا بأشجار السنط ومختلف الأشجار الشوكية.
لا شىء أشق وأصعب من مسألة إحصاء سكان مدينة من مدن الشرق إحصاء دقيقا ، نظرا لأن هذه المدن لا تملك سجلات ، هذا فى الوقت الذى لا يمكن فيه التأكد من عدد المنازل. الحكم بالمظهر ، وعن طريق المقارنة مع المدن والبلدان الأوروبية ، التى تعرف فيها أعداد السكان معرفة دقيقة ، قد يكون من باب الخيال. المنازل الخاصة فى الشرق (مع استثناء الحجاز من هذه القاعدة) كلها تتكون من طابق واحد ، ومن ثم فهى تشتمل على عدد قليل من الساكنين ، وذلك على العكس من المساكن الأوروبية. من ناحية أخرى ، نجد أن شوارع المدن الشرقية ضيقة جدا ، وليس فيها ميادين أو أسواق كبيرة ، إضافة إلى أن ضواحى هذه المدن تعد أماكن شديدة البؤس ومع ذلك فيها من السكان أعداد أكبر من المدن نفسها ، وبخاصة الشوارع الرئيسية والمفضلة. والرحالة عندما يمرون مرورا سريعا عبر هذه المدن ، قد ينخدعوا ، لأنهم لا يرون أو يشاهدون سوى الأسواق وبعض الشوارع التى يتجمع فيها العدد الأكبر من السكان الذكور أثناء النهار. من هنا يتصادف أن تعلن السلطات الحديثة المحترمة أن عدد سكان حلب يقدر بحوالى مائتين وخمسين ألف نسمة ، وأن عدد سكان دمشق ، يقدر بحوالى أربعمائة ألف نسمة ، وأن سكان القاهرة يقدرون بحوالى ثلاثمائة ألف نسمة. وأنا أقدر سكان المدن السورية الثلاث على النحو التالى : دمشق ، مائتين وخمسين ألف نسمة ، حماه (التى يجب أن أتحدث عنها بحرص بالغ) من ستين ألف نسمة إلى مائة ألف نسمة ، وحلب ، الآخذة فى التدهور والتحلل بصورة يومية ، أقدر عدد سكانها بما يتردد بين