يتنقلون من رجل إلى رجل ، ويضعون أمام كل واحد منهم قطعا قليلة من اللحم ، ومن خلفهم الشحاذون ، الذى يقومون بدورهم ، بتلقى هذه القطع من أولئك الحجاج الذين وضعت أمامهم. وعقب نداء الإمام الموجود أعلى بئر زمزم قائلا : «الله أكبر» ، يسارع الجميع إلى الشرب من جرار ماء زمزم ، على أن يشرب كل واحد من جرته الخاصة به ، ويأكل شيئا مما أمامه قبل أداء صلاة المغرب ، وبعد صلاة المغرب يعود الجميع إلى بيوتهم لتناول العشاء ، ثم يعودون بعد ذلك إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. فى ذلك الوقت تكون الساحة ، هى والأبهاء المعمدة قد أضيئت بآلاف المصابيح ، يضاف إلى ذلك أن كل حاج يأتى ومعه فانوسه الخاص ليضعه أمامه. روعة هذا المنظر ، والنسيم العليل الذى يعم صحن المسجد أو ساحته ، يغرى جموعا كبيرة بالبقاء فى المسجد طوال الليل. هذه الساحة هى الساحة الوحيدة الواسعة والمكشوفة فى المدينة كلها ، وهى تسمح للنسيم العليل بالاندفاع قادما من بواباتها ، هذا النسيم العليل يعزوه المكيون إلى حفيف أجنحة الملائكة الذين يحرسون المسجد الحرام. شاهدت حماس حاج من دارفور ، وصل إلى مكة فى الليلة الأخيرة من رمضان بعد أن قطع ذلك الرجل رحلة طويلة عبر صحار جرداء قاحلة ، هذا الحاج عندما دخل إلى المسجد المضاء ، اندهش كثيرا لمنظر المسجد ، وانبهر أيضا بالكعبة السوداء ، إلى حد أنه خر ساجدا بالقرب من المكان الذى كنت أجلس فيه ، وبقى على هذه الحال فترة طويلة ، ثم نهض الرجل بعد ذلك ، وانهمرت دموعه ، وفى ذروة انفعاله ، وبدلا من أن يدعو بالدعاء المعتاد راح يقول متوسلا : «يا رب ، اقبض روحى ، لأن هذا جنة!»
انتهاء موسم الحج يضفى على المسجد الحرام مظهرا مختلفا تماما. الأمراض والوفيات التى تنتج عن هذه الرحلة المضنية ، أو الناتجة عن ملابس الإحرام الخفيفة ، وكذلك السكن غير الصحى فى مكة ، وكذلك الطعام السيئ ، والفقر والحاجة فى بعض الأحيان ، كل ذلك يؤدى إلى امتلاء المسجد الحرام بجثث الموتى ، التى تحمل إلى داخل الحرم للصلاة عليها ، أو المرضى الذين إذا ما اشتد مرضهم ودنا أجلهم يجرى إحضارهم إلى الأبهاء المعمدة ، على أمل أن يشفوا بسبب النظر إلى الكعبة ، أو الرضا