جمارك أكثر من ذلك. هذا يعنى أن هناك تباينات كبيرة فى فرض الجمارك ، كما أن مسئول الجمارك بوسعه محاباة أصدقائه ومعارفه دون أن يتعرض للمساءلة.
بعد اعتناق الشريف للمذهب الوهابى تناقص دخله تناقصا كبيرا ، وسبب ذلك أن سعود رئيس الوهابيين أصر على حتمية مرور بضاعة أتباعه بلا رسوم جمركية ، الأمر الذى أدى إلى إعفاء القسم الأكبر من تجارة البن من الرسوم الجمركية. بلغنى من شخص من أولئك الذين يطلعون على الحقائق ، أن الرسوم الجمركية التى جرى تحصيلها فى جدة فى العام ١٨١٤ الميلادى قدرت بحوالى أربعة آلاف دولار ، وهو ما يساوى ثمانية آلاف كيس ، أو ما يقرب من أربعة ملايين قرش ، يمكن أن تغطى واردات سنوية مقدارها أربعة ملايين دولار ، وهذا المبلغ يقل عن الواقع كثيرا ، الجمارك يجرى فرضها بنفس النسبة المعمول بها فى بوابتى المدينة التى تسمى إحداهما باسم باب مكة والثانية باب المدينة (المنورة) ، وأن هذه الرسوم تفرض على كل أنواع المؤن والتموينات التى ترد من داخل البلاد ، وبخاصة الماشية والزبد والتمور وبخاصة فى وقت السلم ، عندما لا يتوقف الاتصال مع داخل البلاد. أهل المدينة لا يدفعون أى نوع آخر من العشور غير هذه الرسوم الجمركية.
طوال مقامى فى الحجاز كانت جدة بمثابة مستودع رئيسى للجيش التركى ؛ فقد كان فيها مخزن كبير للقمح تابع للباشا ، وكان ذلك المخزن يستقبل إمدادات يومية من مصر ، وكان يجرى يوميا إرسال قوافل إلى كل من مكة والطائف ، وتزايدت تجارة جدة تزايدا كبيرا بسبب احتياجات الجيش ومنسوبيه. وجرى تنظيم الشرطة فى جدة تنظيما جيدا ، وكان الباشا قد أصدر تعليمات صارمة لقواته تقضى بحتمية عدم ارتكاب المخالفات أو إساءة المعاملة ، نظرا لأنه كان يعرف جيدا أن أهل الجزيرة العربية من أصحاب الذهن الصافى لا يمكن أن يستكينوا لسوء المعاملة مثلما يفعل المصريون ، وعندما كانت تحدث مشاجرات بين العرب والأتراك كان العرب ينصفون بشكل عام ، ولم يمارس الظلم أو القهر تحت أى مسمى من المسميات على الأفراد ، فيما عدا استيلاء الباشا على مجموعة قليلة جدا من المنازل الفاخرة ، التى استخدمها