وتقدم ذكر وفاة السراج ، وكان مولده في سنة خمس أو ست وثلاثين وستمائة ، رحمة الله عليه.
ثم ولي منصب الحكم بعده الشيخ الإمام العالم الفاضل علم الدين يعقوب بن جمال القرشي المتقدم ذكره ، وكان الفقيه علم الدين نائبا للقاضي سراج الدين في الأحكام ، فلما توفي السراج سعى له بعض أصحابه في الاستقلال بالمنصب ووجدوا من رضي بمنصب الخطابة والإمامة ، فأجيب إلى ذلك وولي القضاء.
وولي الخطابة والإمامة الأخ في الله بهاء الدين بن سلامة المصري ، كان فاضلا أديبا من صدور الكتّاب الرّؤساء المعتمد عليهم ، وكان يفك الخط المعمى بسرعة حسب ما يقف عليه يكتبه تحته نثرا كان أو نظما ، وكان له خط حسن قليل المثل ، وربما كان يكتب المصاحف ويهديها لأصحابه من الأمراء فيبعثون بالألف درهم وما قاربها على كل مصحف.
ثم تخلف عن صنعة الكتابة للسلطان ، فأبقى السلطان عليه معلومه وزاده معلوما آخر في دمشق ، وأقام بالمدينة سنتين ، ثم عزل نفسه واستقال ، لأنه لم ير نفسه أهلا لما شرطه الواقف من معرفة القراءات ومعرفة الفرائض ، فخاف على دينه وآثر رضى ربه ، فأرسل يستقيل.
فلما عزل ولي القاضي شرف الدين الأميوطي الوظيفتين جميعا ، وعزل القاضي علم الدين.
وكان الفقيه يعقوب (١) رحمهالله حاكما عادلا فقيها فاضلا رئيسا ، وكان مقدما عند القاضي سراج الدين يحبه ويعظمه ويشاوره.
قال لي رحمهالله : والله ما فرحت بهذا المنصب وإني لأرجو أن يقيلني الله تعالى منه ، وذكر لي أنه رأى في المنام كأنه على سطح قباء وأنه على طرف الحائط قد تدلى ولم يبق إلا أن يسقط فيهلك ، وهو من الخوف
__________________
(١) هو : علم الدين يعقوب بن عبد الله القرشي. ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٤٣٤ (١٢٠٨) ، ويسرد ذكره باسم : يعقوب بن جمال ، وذكره السخاوي في مقدمة «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٩ ، عند ذكره لمن تولى الخطابة والإمامة بقوله : «... وهو العلم يعقوب بن جمال القرشي الهاشمي المقري ...». فليلا حظ.