في أعظم ما يكون حتى نجاه الله تعالى ، فكان ذلك تسلية له عند العزل.
وكان قد جرى في أحكامه على السّداد وخصوصا على الخدام ، ومنعهم من الشمع والدراهم وغير ذلك مما يجمعونه في صندوق النذر في أيام الموسم ، وقال لهم : هذا يجري في مصالح الحرم لا يجوز لكم قسمه بينكم ، فتضيقوا من ذلك وعزّ عليهم فغلبهم عليه ولم يصرف لهم منه شيئا رحمهالله (١) ، توفي رحمهالله في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، ومولده في سنة ثمان وثمانين وستمائة.
ثم ولي الخطابة والإمامة الشيخ الإمام العلامة زين الفقهاء صدر المدرسين شرف الدين أبو الفتح محمد (٢) بن القاضي عز الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ كمال الدين أبي المجد اللخمي الشافعي المصري ، المعروف بابن الأميوطي تغمده الله برحمته ، كان شرف الدين فقيها فروعيا حافظا للمذهب ، قلّ أن رأيت مثله في حفظه وغزارة علمه ، وأما كلامه على الحديث واستنباطه لعلومه وما يستلوح من فوائده فالعجب العجاب.
قال لي أخي علي رحمهالله : قطعت هذه البلاد شرقا وغربا لم أر أحدا يتكلم على الحديث مثله ، وكان كريما جوادا ، حسن المحاضرة لين العريكة حتى ينحرف فكأنه غير الذي تعرف ، ولما قدم المدينة عرض على القاضي يعقوب بن جمال النيابة عنه في الأحكام فامتنع ، فنزل له عن تدريس المدرسة الشهابية فقبلها واستمر مدرسا للشافعية محببا إلى الناس.
وكان في القاضي شرف الدين شدة على الأشراف ، وكان له هيبة عظيمة سقاهم المر وأذاقهم الصبر ، وأما سطوته على الإمامية وتوبيخه لهم
__________________
(١) ورد في حاشية النسخة (أ) تعليقة للشيخ عبد الستار الدهلوي ناسخ هذه النسخة قوله : «قف على محل النذور الواردة في مسجد المدينة من الشمع والدراهم ، ما حكمه (...) ، وقد أقره السخاوي وحسنه». وفي مقدمة «التحفة اللطيفة» للسخاوي ١ / ٢٩ ، عند كلامه على القضاء وفي مجرى كلامه على الشيخ يعقوب بن جمال القرشي ، وأنه قال للخدم : «لا يجوز لكم قسمه بينكم» ، قال السخاوي معترضا : «وما هو محق فيه». انتهى.
(٢) تقدم ذكره.