في المحافل وسبهم على المنبر ، فأمر مشهور لا يحتاج إلى وصف ، ولا تكاد السنين تبيد ذكره.
وكان إذا قام في الأمر لا يرجع عنه ولو خوّف في عاقبته ، وكان متمسكا بالسّنّة يتبع أشدها ويحمل نفسه على أشقها ، رأيته في يوم صائف محرما متجردا راكبا على حمار لم يزل عليه حتى كمل حجه ورجع إلى المدينة ليس له مركب غيره ، ورأيته وقد أكلته الشمس وتقشر جلده ودمى وجهه ، فعرضت عليه الركوب في الشقدف (١) فلم يفعل.
وكان قد أراد أن يسوي الحفرة التي في محراب النبي صلىاللهعليهوسلم ببنيان أو أخشاب فلم يوافق على ذلك ، فترك الصلاة في المحراب وصلى عن يسار المحراب قريبا من الشباك ، واستمر على ذلك حتى مات رحمهالله ، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وهو الذي أبطل صلاة النصف من شعبان ، وكان تبطيلها عزيزا على النفوس فقد اعتادوا صلاتها ، ومبتدعات كانت معها.
منها : زينة المسجد الشريف ، وكثرة الوقيد ، وكثرة النساء واختلاطهم بالرجال ، والصياح من الصغير والكبير حتى لا يبقى للحرم حرمة ولا يملكه القوم.
وكان له غيرة على أهل السنّة وإن علم من كثير منهم الكراهة له ، فيسدد أحوالهم ويقيم حرمتهم عند أمراء المدينة ويجاهد بنفسه في حقهم.
وله تواليف مفيدة في الكلام على الحديث وغيره ، منها : (الجواهر السّنية في الخطب السّنّية) قل أن يخلو منها خطبة إلا وفيها ذكر البدعة وأهلها ، وتوبيخهم لما هم عليه.
ونزل مرة من على المنبر لضرب رجل من الإمامية كان يتنفّل زيادة على تحية المسجد ، ويؤدّي ظهر الجمعة أربعا في أثناء ذلك التّنفل ، لأنهم لا يعتقدون إقامة الجمعة إلا خلف إمام معصوم ، وهذا كان عادتهم معه ومع
__________________
(١) الشقدف : هو ما يوضع على الجمل يجلس فيه الراكب ، وهو يشبه الهودج بالنسبة لركوبة النساء.