علمه ، لمّا ذهب أهله ، ومن كان يجلس عنده ، ويستند إليه ، مثل القاضي سراج الدين (١) ، ومثل الشيخ عبد العزيز الجبرتي (٢) الذي كان للقرآن تاليا ، كان يجلس إليه إذا دخل المسجد سحرا فيرفع صوته بالقراءة بحسن نية ، وأداء حسن عن رويّة.
وإنّما العلة في هذا المنكر ، غمة من العلم وأهله ، وما وهبوا من بذله ونشره ، ورأى أنّ رفع أهل العلم عيب فيه ، وعلم على كونه ليس من أهله.
وفي مثل هذا أنشد بعضهم :
إذا محاسني اللّاتي أدلّ بها |
|
صارت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر |
وأما أحقّ شيء بالإزالة ما أحدث بالمنارتين الشماليتين ، قدّم باباهما على بابيهما الأصليين ، وجعل ما بين البابين في كلّ منارة خلوة اقتطع بها جانب من المسجد كبير ، لا شكّ في تحريمه ووجوب تغييره ، وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة ، عملت وقاية من الشمس إذا غربت ، فكانت بدعة وضلالة يصلّي فيها الإمامية من الشيعة ، لأنها قطعت الصفوف ، واتّسمت بمن ذكر من الصنوف ، فغلبت المفسدة بها ، وندم على ذلك من وضعها.
ولقد كنت أسمع الشريف عزاز (٣) يقف على بابها ، ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا خجل : (حيّ على خير عمل) ، وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم ، حتى قيض الله لها من سعى فيها ، فأصبحت ليلة مخلعة أبوابها ، معوجّة أخشابها ، متّصلة صفوفها ، وأدخل بعضها في الحجرة الشريفة ، وجعل فيها الباب الشامي ، وكان في ذلك مع زيادة الرواقين الذين زادهما الملك الناصر جملة مصالح ودفع مفاسد ، فلذلك سكت أهل العلم ، ولم يعدوا ذلك من تحجير المسجد وتضييقه.
__________________
(١) هو : عمر بن أحمد بن الخضر بن ظافر القاضي سراج الدين ؛ ولد سنة ٦٣٥ ، وكان فقيها فاضلا صالحا ، تولى الخطابة بالمدينة أربعين سنة ، توفي بمصر سنة ٧٢٦ ه. انظر ترجمه في : «التحفة اللطيفة» (٢ / ٣٢٨) ، «الدرر الكامنة» (٣ / ١٤٩).
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» (٢ / ١٩١) ، «المغانم المطابة» ، الورقة ٢٥٢ / أ.
(٣) في «أ» : «عزار».