اثنين وتسعين وأربعمائة ، وكان الحاكم على القدس يومئذ العبيديون ، وكنا قد ذكرنا بعض فتوحاته.
وأما أوقافه وصدقاته فتكافيء ما فعله الملك العادل ـ رحمهالله ـ أو تكاد ، وهو الذي ثبت قاعدة الخدام في الحرم النبوي ، وأوقف عليهم الأوقاف ، وكتاب الوقف موجود عندهم إلى اليوم ، وكان الموقوف عليهم نحو العشرين خادما بأعيانهم ، ثم من بعدهم على خدام الحرم النبوي.
ثم أوقف عليهم الملك الصالح ابن الملك الناصر محمد ابن قلاوون وقفا آخر ، ولهم اليوم منذ تقرروا في الحرم بالجامكية نحو مائتي سنة.
ومن العجائب أن أوقاف صلاح الدين في مدارسه أكثرها مشهورة باسم غيره من سكانها أو نظارها ، أو المشدين على عمارتها ، وهذه صدقة السر بعينها ، ومن أعظم حسناته محوه لدولة العبيديين ، وطمس معالمهم ورسومهم وآثارهم.
وكان بنو عبيد قد أظهروا للناس أنهم شرفاء فاطميون ، فملكوا البلاد ، وقهروا العباد ، وقد ذكر جماعة من أكابر العلماء أنّ نسبتهم غير صحيحة والمعروف أنهم بنو عبيد ، وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي.
وقيل : كان والد عبيد هذا يهوديا من أهل سلمية من بلاد الشام ، وكان حدادا ، فلما دخل المغرب تسمى بعبيد الله ، وزعم أنه فاطمي ، وادعى نسبا غير صحيح ، ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى بالمهدي ، وبنى المهدية بالمغرب ، ونسبت إليه ، وكان زنديقا خبيثا ، عدوا للإسلام متظاهرا بالتشيع تسترا به ، حريصا على إزالة الملة الإسلامية ، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة ، وكان قصده إعدامهم من الوجود ليبقى العالم كالبهائم ، فيتمكن من إفساد عقائدهم ، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨] ، ونشأت ذريته على ذلك ، وانبثت الدعاة لهم في البلاد يضلون الضعفاء من الناس ، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها ، وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين إلى سنة سبع وستين وخمسمائة.