ببركة إقامته كثير من البدع المؤسّسة في المسجد الشريف منها : صلاة الرغائب التي روي أنّها تصلّى ليلة أول جمعة من شهر رجب.
أدركت القاضي سراج الدين الآتي ذكره يصلّيها في جماعة في الروضة المشرفة بلا نكير ، ولا معارض ، وسنده في ذلك ما رواه فيها وأخذ به كثير من الصوفية ، وقد نص العلماء على أنها من البدع وإن كانت من فضائل الأعمال المسندة لحديث ضعيف (١) ، لكنه عارض العمل به بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تخصّوا ليلة الجمعة بقيام ، ولا يومه بصيام» (٢) ، ورحمهالله وجزاه خيرا.
وفي إقامته بالمدينة توفيت زوجته في شهر رجب ، وهي بنت الشيخ ابن أبي حمزة ، وقيل : إنها ورثت سرّ الشيخ والدها نفعنا الله به ، وحملت من المدينة إلى عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سيد الشهداء ، ودفنت عند شهداء أحد رضياللهعنهم ، وقبرها معروف يزار للبركة ـ رحمها الله ـ.
وأما الصاحب زين الدين ، فكانت وفاته بمصر سنة أربع وسبعمائة ، وكان في الزمن الأول مقرئ الحرم ورئيسه ، الشريف الموصلي محمد بن سعيد (٣) ، فبلغني أنّ شريفا سمع يوما أنّ سعيد يقرأ : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التوبة : ١٠١].
فضربه برجله وقال : قم يا عدو الله ، كم تكذب على الله ، وخوّفه بالقتل حتى دخل على بعض الشرفاء فأمنه منه ، وتوفي محمد بن سعيد بمصر سنة تسع وتسعين وستمائة.
فنحن اليوم في عافية ، ونعم من الله متتالية ، ببركة هذا النبي الكريم
__________________
(١) انظر كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني على حديث صلاة الرغائب في «تبيين العجب بما ورد في شهر رجب» ، ص ٥٢ وما بعدها.
(٢) روى مسلم في «صحيحه» ٢ / ٨٠١ ؛ قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ... الحديث». ورواية المصنف للحديث على سبيل الاختصار.
(٣) وقع في جميع النسخ العبارة كما يلي : «... مقرئ الحرم ورئيسه الشريف الموصلي ومحمد بن سعيد ...» ، لكن السخاوي في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٨٠ ذكر أن الشريف الموصلي هو محمد بن سعيد ، ونقل طرفا من هذه القصة عن ابن فرحون ، وسياق العبارة يؤكد ذلك وأن الواو زائدة.