صلىاللهعليهوسلم ، لو سلمنا من البغضاء التي يتحملها بعضنا في بعض ، أزالها الله بالاجتماع والموافقة على الكلمة السنية ، والشريعة العلية.
وإنما ذكرت هذه البدع ـ وإن لم تكن مقصودنا استرسالا عند ذكر ما ابتدع ، لمصلحة ليعلم أنّ الحقّ يدوم بدوام الباعث عليه ، ويزول بزواله ، ولو طال زمانه وكثر اتباعه ، ويعلم أنّ للاجتماع أثرا ، وللتّفريق أشرا ، ولقد كان الأولى بالنّاس اليوم إنكار البدع المتعلّقة بالصلّاة التي هي عماد الدّين.
فمن ذلك : ما أحدث في الصفوف من التقطيع ، وتقديم من هو أهل للتقديم ، وتأخير من هو أهل للتأخير ، وتأديب من صلّى وحده مع القدرة على الدخول في الصّفّ.
قال ابن حبيب من علمائنا : أدركت بالمدينة رجالا موكّلين بالصفوف ، فإذا رأوا رجلا يصلّي خلف الصّفّ وحده وفي الصّفّ له مدخلّ ، تركوه حتى يفرغ من صلاته ، ثمّ ذهبوا به إلى الحبس ، ومذهب أحمد بن حنبل بطلان الصّلاة ، ولقد رأيت عن يمين الإمام وشماله أهل الصناعات الدنية ، كالدباغ والحداد والجزار ، ومن اشتهر منهم بقلّة الدّين ، وذلك يتكرر منهم كثيرا ، ويليه أيضا من جهة الفقراء من لا يفهم صلاته ، ولا يعقل ما وجب عليه منها وفيها ، ويترك الفقهاء والقراء في أطراف الصفوف ، وخلف تلك الجلوف.
وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «ليليني منكم أولو الأحلام والنّهى» (١).
قال القاضي أبو بكر بن العربي : ينبغي أن لا يصلي خلف الإمام إلا من يصلح للاستخلاف ، لما يتوقع من حاجة الإمام من يستخلفه ، أو يردّ عليه ، أو يصلح صلاته.
قال : ولو سبقه من ليس هو كذلك أقيم ، وقدّم إلى الأمام من هو أحقّ.
وأغرب من هذا كلّه أنّه يأتي عاميّ أو جاهل إلى مكان عالم أو فقيه له يصلّي فيه نحو العشرين سنة ، أو أكثر منها فيجلس فيه ، فإذا قيل له : هذا موضع فلان ، يقول : ليس في المسجد موضع لأحد ، وأنا وهو في ذلك
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة «باب تسوية الصفوف وإقامتها» ١ / ٣٢٣ (١٢٢).