سواء ، أين هذا المتعرض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذه المنكرات الخفيات؟
ومن ذلك ما يقع عند فتح أبواب الحرم الشريف في السّحر لصلاة الصبح من الزحمة والجري العظيم ، وقلّة الأدب في تلك الحضرة الشريفة ، وفي ذلك الوقت المبارك ، والمضاربة والمشاتمة حتى إنّهم ليقتل بعضهم بعضا من شدّة الخنق ، ولقد أراد تكروريّان أن يقتتلا بالسكاكين في الروضة لأجل ذلك ، وهذه المصيبة العظيمة تدفع بأيسر شيء ، وهو لو كان قومة المسجد وأصحاب النوبة يفتحون للأول فالأول من الناس ، ما حصل هذا البلاء العظيم ، ولكنهم يتركون الناس على الأبواب حتى تضيق أنفسهم ، فيدخلون دفعة واحدة يحطم بعضهم بعضا ، وإثم ذلك على من منعهم ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [البقرة : ١١٤]!
ومن ذلك السجاجيد التي يؤبدونها في المسجد ليلا ونهارا ، ولقد كنت أعرف خداما موكلين بالسجاجيد كريحان الموصلي (١) ، إذا وضع أحد سجادته ـ وما كان أهلا لذلك ـ أخذوها ورموها ، ومتى غلبوا عليهم وكثروا ، جمعوا السجاجيد وأخفوها حتى يحترق عليها صاحبها ، فيردونها عليه ويتوبونه ، ولقد أحرقت مرة على باب النساء ، وما زالوا على سائر الأزمان يهتبلون بذلك اهتبالا عظيما ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الشيخ أبو عبد الله القصري (٢) رحمهالله : رأيت في المنام كأن نارا استعرت في الروضة وهي تعمل في السجاجيد ، وأنا أصيح : والله يا رب ما سجادتي من تلك السجاجيد ، وكان يحكي هذه الرؤيا في الميعاد ، وكان رضياللهعنه يقول : إذا جئت إلى الروضة ولم أجد لي فيها مدخلا فرحت وسررت لما أرى من الحرص على الخير ، وكان ـ رحمهالله ـ يقصد طرف الصف من جهة المنبر حتى يرفع البساط ، ويصلي على الرمل.
ومن ذلك : علو الرّمل في الروضة ، ووضع بعضه على بعض ، ولقد
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» (١ / ٣٥٢).
(٢) هو : أبو عبد الله محمد بن غصن الأنصاري القصبري.