كنت دائما أرى الشيوخ من أهل الخير ينفضون الرمل من الروضة ينسفونها نسفا بالمساحي حتى يعلو ما حول المحراب من الرخام محافظة على قرب مقام المأموم من الإمام في العلو ، وبالغوا مرة في الحفر ، فوجدوا يدا مقطوعة مكفنة مدفونة في الروضة ، كأنها قطعت ظلما ، فأراد من هي منه أن تكون بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم جهلا منه وقلة يقين بالله ، فإن الله تعالى يعلم من ظلم فيكافيه ، ومن ظلم فيجازيه ، ومرة وجدوا إصبعا مدفونة تحت الشباك.
وما زال العلماء والأئمة يتحرجون من كون الحضرة منخفضة انخفاضها اليوم ، فمن قائل بالكراهة ، ومن قائل بالمنع ، وقد اعتبرتها اليوم بالذراع فوجدتها ذراعا بالرمل والبساط الذي علا عليها وعلى ترخيمها ، وفي المذهب قولان في صحة صلاة الإمام والمأموم ، وعلى هذا يجب القول بالمنع. وأما في أيام القاضي سراج الدين فمن بعده إلى أيام شرف الدين ، فإنهم كانوا يرفعون مقام الإمام بشيء من الرمل حتى تزول الكراهة والمنع.
ولما قام في ذلك شرف الدين الأميوطي ـ رحمهالله ـ ، وأراد إزالة الخشب وما حوله وطمس المقام أو رفعه ، قام في وجهه الخدام وكرهوا أن يتغير مقام النبي صلىاللهعليهوسلم ، واستعانوا على القاضي بالأشراف ، فكف وانتقل عن المحراب ، وصار يصلي إلى الإسطوانة التي تقابل إسطوانة الوفود ، ولزمها إلى أن مات رحمهالله.
ثم ان الخدام رفعوا الرمل الذي كان يرتفع به المقام فنزل بزواله ، ثم جعلوا الرمل على الترخيم الذي حول المحراب ، فارتفع مقام المأموم وانخفض مقام الإمام واتضع ، وصار من الفقهاء من يدفع الكراهة بما يحصل من القرب إلى مقامه صلىاللهعليهوسلم وموقع قدميه.
ويقول : في هذا من الفضل ما يوازي لي ما في ذلك من النقصان.
وهذه ، والله أعلم ، نزعة صوفية لا علمية ولا عملية.
وكذلك كل من رأيت بحث في هذه المسألة لا يصوب الانخفاض إلا لمعنى ليس من الشريعة ، وما أقرب قولهم إلى قلوب العامة وضعفة الفقهاء ، وأسرعه إليها.
إذ يقال : ما يدنيني من محل كان الرسول الله يصلي فيه ويجلس عليه ،