ويمسّ جبهته ويديه ، أحق بأن أمرّغ وجهي عليه ، وأملأ محاجري من تراب قدميه ، وهذا حق وكلنا نقول به ونحبه ، لكن الخير كله في اتباع سنته ، وما أمر به ، وما حضّ عليه ، وهو صلىاللهعليهوسلم لم يكن موقفه من المأموم أخفض ولا أعلى ، بل كان هو وأصحابه في الموقف سواء ، فمن خالف سنته بالهوى فقد غوى ، بل التمادي على المكروهات والبدع الموضوعات يعظمها ويصيرها كبائر ، فمن قدر على التغيير والإزالة فلم يفعل ، يخاف عليه أن عمله لا يقبل ، وأن الله تعالى عن ذلك منه يسأل ، ثم إن القيام في ذلك صار جانبا عن هذه المعاني ، بل داخله حظّ النفس والتعصب في صورة التعبد والتقرب ، أعاذنا الله من حظوظ أنفسنا ، وهدانا لما فيه صلاح ديننا ، وألف بين قلوبنا ، برحمته وكرمه.
ثم مع ما في المقام الشريف من الكراهة في الانخفاض أضف إليه كتابة القرآن العزيز في قبلة الإمام والمأموم ، ولا خلاف بين الناس في كراهة هذا حتى قيل ببطلان صلاة من قرأه واشتغل به مع التزويق العظيم والتذهيب الأنيق الذي يشغل المصلّي ، ولو كان بالولاية متحليّا ، ألا ترى كيف ردّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخميصة لما خاف أن يشغله علمها في الصلاة؟ وقال : «ردوا هذه الخميصة على أبي جهم ، وائتوني بأنبجانية أبي الجهم فإن علمها كاد يفتني في صلاتي» (١).
وهذا إنما هو تعليم للأمة وتحذير لهم من أن يكون مثل هذا في الجملة من السنّة.
وانظر إلى فعل أبي طلحة رضياللهعنه لما كان يصلي في حائطه ، فطار دبسي ، فطفق يتردّد يلتمس مخرجا ، فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة ، ثم رجع إلى صلاته ، فإذا هو لا يدري كم صلى!!
فقال : لقد أصابتني في مالي هذا فتنة فجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصلاة ، باب إذا صلى في ثوب له أعلام (٣٧٣) ، ومسلم في المساجد ، باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام (٥٥٦).