وقال : يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت (١).
وفي «الموطأ» (٢) أيضا : أن رجلا من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقفّ ـ واد من أودية المدينة ـ في زمان التمر والنخيل قد ذللت ، فهي مطوقة بثمرها ، فنظر إليها فأعجبه ما رأى من ثمرها ، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى!!
فقال : لقد أصابتني في مالي هذا فتنة.
فجاء عثمان بن عفان ـ وهو يومئذ خليفة ـ ، فذكر له ذلك.
وقال : هو صدقة فاجعله في سبيل الخير ، فباعه عثمان بن عفان رضياللهعنه بخمسين ألفا ، فسمي ذلك المال : الخمسين.
وكم مثل هذا أثبتته السنّة خوفا من مثل هذه البدعة.
قال أبو الحسن اللخمي في «التبصرة» : قال مالك رحمة الله عليه : كره الناس ما فعل في قبلة المسجد بالمدينة من التزويق ؛ لأنه يشغل الناس في صلاتهم ، وأرى أن يزال كل ما يشغل الناس عن صلاتهم وإن عظم ما كان أنفق فيه.
قلت : وإنما زخرف المساجد من زخرفها لمعنى قصدوه ، لا للزخرفة ، لأن الوقت كان من الكفر والجاهلية قريبا ، فما كان يقوم للمسجد من التعظيم والتفخيم قبل ما صنع فيه ما يقوم له بعد ذلك ، فأرادوا ذلك المعنى.
ومما يدل عليه : أن جامع بني أمية لما بني على هيئته اليوم بالفسيفساء وولي عمر بن عبد العزيز ، كره أن يكون المسجد على هيئة تشغل المصلي ، فأمر بأن تستر القبلة والجدار بالقباطي ، ثم قدم الشام راهبان فسألوا عن الكشف حتى ينظروا إليه ، فأرسلوا إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يسألونه في ذلك ، فأذن لهم ، فلما رأوه استعظموا ذلك ، ودخل عندهم من ملك الإسلام رهبة وعظمة ، فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز.
__________________
(١) الموطأ «باب النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها» (٢٢٠).
(٢) باب «النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها» (٢٢٣).