فصل
ولقد أدركت من الخدام الصالحين ، ومن المجاورين العالمين العاملين ، أقواما على الخير متعاونين ، وعلى البر متظاهرين ، وبسنته صلىاللهعليهوسلم عاملين ، رحمهمالله أجمعين.
فأول من أدركته من مشايخ الخدام بالحرم الشريف ممن عقلته العزيزي ، عزيز الدولة (١) ، وفي أيامه غرس كثير من النخل الذي بالمسجد اليوم ، وكان منه شيء قبل العزيزي ومات أكثره.
وإن قلت : كيف فعل ذلك وهو من البدع المنهي عنها ، وكيف ترك ورأيه في ذلك؟
قلت : المسألة مختلف فيها ، فمنهم من منع ، ولا يكون الإنكار سمحا إلا في مسائل الإجماع فيها ، وأما حكم ثمره؟ فقد سئل مالك ـ رحمهالله ـ عن شجرة نبتت في صحن المسجد ، أو المقبرة ، أو محجة الطريق؟
قال : أكلها حلال لجميع المسلمين.
وكان كثير الخير والبر ، وقف من النخيل شيئا ، وحرّر من الأرقاء جمعا غفيرا ، وكان العزيزي ـ رحمهالله ـ يوالي الأشراف ، ويحسن إليهم إحسانا كثيرا ، حتى اتّهم بمذهبهم ، لكثرة اختلاطه بهم ، وقضاء حوائجهم ، كنت إذا مررت عليه مع جماعته ذاهبا إلى سيدي الشيخ أبي محمد البسكري وهم جلوس بين باب النساء وباب جبريل صفّا واحدا ، أقول بأعلى صوتي : السّلام عليكم ، فيردّون كلهم حتى تسمع لهم لجة عظيمة ، ثم ينادوني ، ويقولون : خذ جزاء تحيتك ، فيعطيني كل منهم على قدره ، وأول من يبدأني الشيخ رحمهالله ، وأحيانا يذهب بي إلى بيته ويخرج الكيس من خرزة حجر
__________________
(١) ترجمته في : «المغانم المطابة» ، الورقة ٢٤١ / أ.