أعرف اليوم مكانها من البيت ، فيعطيني ويبرّني ويفرح بي. جزاه الله خيرا ، وأعظم له أجرا ، توفي عزيز الدولة سنة سبعمائة.
ثم خلفه في المشيخة شبل الدولة كافور المظفري (١) المعروف ـ بالحريري ـ رحمهالله ، كان من أحسن الناس شكلا ، وأتمهم كمالا ، وكان مهيبا قد ملأ قلوب الشرفاء رعبا ، كان إذا انكسر قنديل ، أو وقع تجصيص يصيح حين وقعته صيحة يغلب بها ، يرجف أهل المسجد من قوتها وعظم مبلغها.
وكان يقول : إنه توأم ، مات أخوه بعد أن ولدتهما أمهما ، وكان له على الأميرين سلار وبيبرس (٢) الجاشنكير دلّية بتربية ، حتى إنهما لها حجّا والوه بأحسن الموالاة ، فكلمهما في بناء المنارة التي بباب السلام اليوم ، فأنعما ، ثم إنه خشي أنهما يشتغلان بملكهما عن ذلك ، أو يستثقلان النفقة على عمارتها ، فقال : أنا لا أطلب منكما مالا ، عندي من قناديل الذهب والفضة ما يقوم بها وزيادة ، فأنعما له بإرسال الصنّاع ، وشرع هو في تحصيل الحجر والمؤنة بينما يأتي الحاج ، فحمل من الحجر ما يحتاج إليه من أنواعه كلها ، فكانت كالجبال فيما بين بابي الرحمة والسلام ، وأمر بالحفر لها في مكانها اليوم ، فلم ينزلوا إلا قليلا إذ وجدوا باب مروان بن الحكم أسفل من أرض المسجد بقدر قامة ، ثم وجدوا برنية فخار ملأى بدراهم مظفرية قد استحالت صفتها من طول مكثها ، ثم وجدوا تحصيب المسجد في أيام مروان بالرمل الأسود يشبه أن يكون من جبل سلع ، وذلك تحصيب عام في سائر مسجدهم القديم ، لأنهم لما أسّسوا الرواقين اللذين زادهما الملك الناصر شمالي الروضة المقدسة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، وجدوا ذلك التحصيب ، فوقفت عليه فوجدته يشبه ما وجدوا في أساس المأذنة ، وسمكه نحو ذراعين بالعمل أو أكثر ، ثم إنهم نزلوا في الأساس حتى بلغوا
__________________
(١) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٣ / ٢٦١ (٦٧٦) ، وذكره في : «التحفة اللطيفة» (٢ / ٣٩٠) نقلا عن ابن فرحون.
(٢) وقعت العبارة في جميع النسخ ما صورته : «الأمير بن سلال وبكير بن سكبد ربكيد» ، وقد صححتها من : «التحفة اللطيفة» ، و «الدر الكامنة».