الماء ، وكان بعض المؤرخين يذكر أن هناك مأذنة مشرفة على دار مروان فهدمها غيرة على أهله من مؤذنها ، فلم يجدوا لذلك صحة ولا أثرا البتة (١).
وكان الحريري ـ رحمهالله ـ مباشرا ذلك كله مجتهدا بنفسه وماله وخدامه ، ثم إنه أمر من كان بالمدينة يتعانى البناية كالشيخ إبراهيم البنا والشيخ علي الفراش ، وغيرهما ممن ليس له البناية كبير قدم أن يحفروا الأساس ، فحفروا إلى أن ظهر الماء ، وأخرجوا منه شيئا شرب منه الشيخ ، وشرب الناس منه ، يرون ذلك بركة ومسرة وتفاؤلا بتمام العمل ، ثم دكّوا الأساس ، فلما جاء الموسم وحضرت الصناع والمعلمون ، كان فيهم المقدم عليهم في البناية والهندسة والدراية.
فقال للشيخ : لم استعجلت علينا؟. لا نبني على هذا حتى تنقضه جميعه ، فإن لا نأمن عاقبته ، وألحّ في نقضه ، فألحّ الشيخ في تركه على حاله فرجع إلى مصر من حينه ، وقال : أنا أخشى من الدرك ، وما يلحقني في صنعتي من العيب ، فقال الشيخ لمن كان معه من المعلمين : اعملوا عملكم والله تعالى يتممه ببركة هذا النبي الكريم ، فعملوها على ما هي اليوم عليه ، وعمّ نفعها وعظم أجرها ، وصارت في صحيفة من سعى فيها ، والعمل اليوم عليها لأنها متوسطة المدينة حتى إن رئيس المؤذنين محمد بن إبراهيم (٢) قال لي رحمهالله : لو تركت لي هذه المأذنة لكفت المدينة ، وهو الحق ، فإن المدينة من جهة الشمال قليلة العرض ، وإنما امتدادها وقوة عمارتها وكثرة أبياتها من جهة الغرب ، وكانت عمارتها في سنة ست وسبعمائة.
وإنما ذكرت حكاية المأذنة ، لأن ذكرها مما نحن بسبيله من المحدثات في المسجد للمصلحة العامة للمسلمين.
ومما للشيخ الحريري من الآثار الحسنة : تبطيل الطوف بالشعل من جريد النخل ، وتبديلها بالفوانيس التي يطوفون بها اليوم كل ليلة بعد صلاة
__________________
(١) ذكر هذه المأذنة ابن النجار في «تاريخه».
(٢) هو محمد بن إبراهيم العسقلاني ، وقد تقدمت ترجمته.