وكان من المجاورين من يركن إلى الأمراء ويجتمع بهم في منازلهم ، ويطلعهم على أحوال الخدام والمجاورين ، فأقسم فيهم أن من طلع القلعة منهم لم يكن له وظيفة ألبتة ، فانكف الناس ، وأخرج جماعة من الأسباع واستبدل بهم.
وأخرج جماعة من الفراشين وقطع معلومهم ، حتى غابوا في الهند سنين عديدة ، مثل ياقوت الصالحي ، وبردة الحريري ، وسعيد التاجي ، وغيرهم من أهل الأخبار ، وكان يجلس قريبا من الأسباع ، فأيّ من غاب عن وظيفته ، أخذ قسط ذلك اليوم في حينه ، وبذلك انضبطت الوظائف ، وصار ليس له مخالف ، وعمرت الأوقاف في أيامه ، وكان له منه نصيب وافر ، ولما توفي والدي رحمهالله في أيامه حفظ علينا وظائفه ، ورفق بإخوتي رحمهالله. توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة.
ثم خلفه في المشيخة ناصر الدين نصر (١) عطا الله ، وكان قبل ذلك من إخوان المجاورين وأحبابهم ، مواخيا لجمال الدين المطري لا يخرج عن رأيه ولا مشورته ، وإن كان الشيوخ كلهم بهذه المنزلة معه ، فكان هذا له أعظم وبه أبر ، وكان من أحسن الناس صورة وأكملهم معنى ، وكان يحفظ القرآن ، كثير الصيام ، مهيبا في جماعته من غير ضرر (٢) ولا تهديد ، ولا وعد ولا وعيد ، وجد الأحوال (٣) بعد الظهير (٤) متمهدة فزادها تمهيدا ، ومع ذلك فإذا قام في أمر تمّمه ، لا يرجع عن رأيه فيه لأحد ، ولو قام في ذلك وقعد ، وكانت مدة ولايته أربع سنين. توفي سنة سبع وعشرين وسبعمائة.
ثم خلفه في المشيخة عز الدين دينار (٥) ، فكان رحمهالله ذا حشمة
__________________
(١) ذكره في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٣٩٣ (١٠٧٨) ، «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٦١ (٢٩٧١) نقلا عن ابن فرحون.
(٢) في (ب) ، (ج): «ضرب» ، وما أثبته كما في (أ) ، و «التحفة اللطيفة».
(٣) في : «التحفة اللطيفة» لفظة : «الأموال» بدلا من «الأحوال».
(٤) يقصد ظهير الدين مختار الأشرفي المتولي المشيخة عوضا عن سعد الدين الزاهري ، وقد مر ذكره.
(٥) واسمه : دينار الشهابي المرشدي الشافعي ، ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٣٣٢ (١١٩٢) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ١٠٣ (١٧٠٤) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٤١ / ب.