جيدة وسقاية للماء ، ودارين ، وكان كثير المعروف ، محبا للخير وأهله ، مؤثر الباقي على الفاني ، رحمهالله.
ومنهم أمين الله خالص البهادي ، كان فيه من السكون والخير المكنون ، ما لا مزيد عليه ، وكان يتعانى الفلاحة ، فيخالط الناس فيسلم منهم ويسلمون منه ، متواضعا متأدبا يرحم المسكين ، ويعين من به يستعين.
طالت أيامه وكثر ماله ، حتى أوقف الأوقاف ، وله رباط بباب البقيع ، وله عتقاء من عبيد وإماء ، وغرس في الحرم خادمه سرورا لقراءة القرآن ، وألزمه حضور الأسباع ، فجادت قراءته وحسن صوته ، فظهر بين أقرانه برجلة وشجاعة.
ومنهم عنبر الموصلي (١) ، وهو من قدمائهم ، كان خادما للشيخ محمد الأعمى ، خدمه محبة لله وموالاة ، فاكتسب من أخلاقه الحسنة ورياضته مدة حياته ، ما حصّل به خيري الدنيا والآخرة ، بنى دارا قبالة دار العشرة وأوقفها.
ومنهم مفتاح الهندي (٢) ، كان من الكبار ، عاش مئة سنة على عبادة ومجاهدة من أرباب الكمالات الكرامات ، وقف نخلا جيدا بالحشان ، ونخلا آخر ببئر عزّ العرب ، كان يعمل كل سنة في شهر ربيع الأول مولدا للنبي صلىاللهعليهوسلم ينفق فيه نفقة جليلة ، وكان يقول : إنه يعرف يوم وفاته ، وإنه يموت في شهر رجب ـ أظنه السادس أو الرابع منه ـ فكان كذلك ، وكان غالبا يعمل مولده في بيتي ، ويحضر كأنه واحد من الجماعة.
وحضر يوما مع الجماعة ، فلما خرجوا قدمت له طعاما فيه لحم ، فوقفت في حلقه لحمة ، شهق منها شهقة ما شككت أنه مات ، ثم إنه أفاق بعد ذلك. وقال لي عند إفاقته : خفت عليّ أن أموت ، لا أموت اليوم ، بل بقي لي كذا وكذا ثم أموت ، فكان كما قال ، رحمهالله ونفع به.
ومنهم الطواشي صندل (٣) ، كان من أكابر القدماء الرؤساء المتعففين
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٦١ (٣٣٦٤) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ترجمته في : «المغانم المطابة» ، الورقة ٢٥٩ / ب.
(٣) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٥٨ (١٨١٥) ، نقلا عن ابن فرحون.