أخبرني بعض خدام الشيخ رحمهالله : أنه كان له أصحاب مغاربة مثل يوسف الخولي ، وحسن الخولي ، ومحمد المكناسي ، إذا جاؤوا من عملهم من الحدائق حملوا معهم شيئا من رمام البقول الذي لا يصلح إلا للدواب ، كالسلق ، وبقايا اللفت ، ومن هذا الجنس ، فيأتونهم به فيأخذه خادمهم ويسلقه ، ويضعه في قصعة إلى أن يأتوا من صلاة العشاء ، فيقدمه لهم وهم صائمون ، فيأخذ كل منهم كفايته ، وما فضل عنهم أخذه الخادم ورماه في خارج باب البلدة ، تأكله البهائم.
استمروا على ذلك سنين لا يعملون غير ذلك إلا في النادر ، حتى فطن بهم بعض الناس ، وكان يأتيهم بشيء من الأعشار كعشر الشعير والتمر ، منهم تركي الأمير جماز يقال له : سنجر (١) ، وأبو شميلة الدارنجي فترفّع حالهم وكثر أتباعهم ، ومال الناس إليهم لما رأوا من خيرهم واعتزالهم ، ثم قصدهم الخدام وصحبوهم ، واشتهر في البلاد ذكرهم ، وذكر الشيخ أبي محمد ، فكان يقصد من البلاد البعيدة كاليمن وغيرها.
وكان الشيخ مبسوط اليد لا يدخر شيئا ، ولا يرد فقيرا ، ولا يبيت على معلوم ، كان إذا جاء قادم من مكة أضافه ووانسه. ثم يقول له : ارفع طرف الحصير ، فيرفعه فما وجده تحته فهو له ، سواء كان درهما أو مئة ، وإذا أطعم الفقير لم يدع في بيته قمحا ولا سمنا ولا عسلا ، بل يعمل له الجميع حتى إنه عمل يوما للفقراء طعاما ولم يجد له إداما غير برنية شراب أهديت له لمرض كان به ، فأمر بصبها وإيدام الجماعة بها ، وظهر في الناس بالكرامات والإخبار بالمغيبات ، حتى انعطف عليه النّاس لعلمه وعمله ، وكرمه وحسن خلقه ، وكان مع ذلك مهيبا في جماعته ، بل في الحرم الشريف.
قال لي من أثق به : إنه كان إذا دخل المسجد خضع له كل من فيه ، من كبير وصغير ؛ ومتى رأى منكرا غيّره بلسانه أو بيده ، وكان أعظم أصحابه الشيخ عبد الواحد الجزولي (٢) رحمهالله من العلماء الزهاد ، ومنقطعا
__________________
(١) ذكره السخاوي في «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٢٩ (١٦٧٢).
(٢) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٢٠ (٢٧٦٥) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة».