وعشرين وسبعمائة ، فأعان الله تعالى ورزقني على الاشتغال إقبالا كثيرا ، وحسدت حسدا عظيما ، وقصدت بالأذى فزادني طولا. كثير يظنون أنهم يسعون في إخمالي وحط منزلتي ، وما سعوا إلا في ظهوري ونشر فضيلتي.
ولله درّ القائل :
من خصّ بالشكر الصديق فإنني |
|
أحبو بخالص ودّي الأعداء |
ورووا عليّ معايبي فحذرتها |
|
ونفيت عن أخلاقي الأقذاء |
جعلوا التنافس في المعالي ديدني |
|
حتى رفعت بفعلي الجوزاء |
ولربما انتفع الفتى بعدوّه |
|
فالسّم أحيانا يكون شفاء |
ومع ذلك فقابلتهم بالحلم عليهم ، والإحسان إليهم ، وصبرت إلى أن فرج الله تعالى ، والنّصر مع الصبر ، فلله الحمد على كل حال.
ولله در القائل :
ما دمت حيا فدار النّاس كلّهم |
|
فإنما أنت في دار المدارات |
من يدر دارى ومن لا يدر سوف يرى |
|
عما قريب قرينا للندامات |
ومما جرى لي مع هذا الشيخ في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، أنه تحامل عليّ بعض القضاة ، ولفيف من أولئك الحسدة ، فرموني عند الأمير طفيل (١) برمية بلية ، وذكروا أن شخصا مات وترك عندي مالا كثيرا ، ولم يكن من ذلك شيء ، إلا أن ذلك الشخص أودعني مبلغا قليلا ، وصّى به في شراء نخيلات تكون وقفا على رباط السبيل ، فقلت للأمير وأعوانه : ليس عندي غير هذا ، وقد وصّاني فيه بكذا ، ومعي على ذلك شهود جياد أحدهم الشيخ عز الدين دينار شيخ الحرم ، والآخر الشيخ عز الدين الواسطي ، وكان الأمير طفيل غائبا في الفلاة ، واشتغل بي ذلك القاضي وتلك الجماعة ، وكانت قضية عويصة ، صادفت أوقاتا شنعة ، وعدا بشعة ، لها قضية طويلة جرى لي في أثنائها ألطاف عديدة.
__________________
(١) هو : الطفيل بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني : كان أمير المدينة أيام السلطان محمد قلاوون ، ولي الإمارة في شعبان سنة ٧٢٨ ، وتوفي سنة ٧٥٢. ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٢٣ (٢٠٣٤) ، «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٦٨ (١٨٦٣).