وذلك أنّ وزير الأمير قام عليّ في ذلك بحس القاضي ، وبنى على كلامهم ، فلما خفت كثرة الأعداء واشتغالهم بي وتطلبهم عثراتي ، شكوت ذلك إلى شيخ الخدام عز الدين ـ رحمهالله ـ ، وسألته الجلوس في المسجد والمبيت فيه حتى يحضر الأمير من البادية ، وكان على مسيرة أيام من المدينة ، فجلست في المسجد مع أخي محمد رحمهالله ليلا ونهارا ، وخرج أخي عليّ رحمهالله خفية ، وركب راحلة توجه إلى الأمير في هذا الأمر ، وكان له عليه دلية وصحبة أكيدة ، ومحاسنة وملائمة ، فأقمت في المسجد عشرة أيام بلياليها ، بين قيام وصيام واعتكاف حصل لي بذلك خير كثير ، فكنت في ليلة أصلّي عند أسطوانة التوبة ، وهي التي في آخر صف الروضة الملاصقة للشباك اليوم ، على ما ذكره عبد الله بن عمر رضياللهعنهما ، وتبعه مالك بن أنس رحمة الله عليه ، وما قيل فيها غير ذلك فغلط ، أوجبه أشياء يطول ذكرها ، فلحقتني سنة وأنا ساجد عندها ، فرأيت شخصا قد خرج ربع القامة ، حسن الوجه والهيئة ، مليح الثياب فمر عليّ. وقال : قم قضيت الحاجة.
قاستيقظت فلم أر أحدا ، فلم يكن إلا قليل إذ جاء أخي بمرسوم الأمير أن لا يتعرض لي أحد ، حتى يقدم إلى المدينة ، فلما قدم بعد مدة اجتمعت به. فقال : لئن لم تأتني على ما قلت بشهود ، وإلا فالذي يقال عنك صحيح.
وكان معي الشيخ عز الدين دينار شيخ الخدام رحمهالله ، والشيخ عز الدين الواسطي كما تقدم.
فقلت له : معي عز الدين دينار.
فقال : لا أقبله ، ذلك صاحبك وهو عدونا.
فجئت إلى الشيخ عز الدين ، وذكرت له الحكاية ، وعهدي منه أنه لا يفهم على الناس ما بينهم من أمور الدنيا ولا يذكر الشهادة ، فقال لي : إذا خرج الأمير إلى المسجد لصلاة الجمعة اجتمعت به.
وكان لا يجتمع بأحد من أرباب الدنيا ، ولا يعرف الأمير ولا الوزير ، لكنه عندهم معلوم السيرة ، مشهور الطريقة ، فلما حضر الأمير في المسجد