فلما تواقفوا للحرب ، جعل مالك يدور على أصحابه ـ راية راية وكتيبة كتيبة ـ ويقول : «يا معشر الأزد أهل النجدة والحفاظ (١)!! حاموا عن أحشامكم. وذبّوا عن أبنائكم (٢)! وقاتلوا! وناصحوا ملككم (٣) وسلطانكم. فإنكم إن انهزمتم تبعتكم العجم بجنودها ، فاختطفوكم واصطادوكم بين كل حجر ومدر (٤) ، وثاروا ملككم وسلطانكم ، فوطنوا أنفسكم على الحرب. وعليكم بالصبر والحفاظ ، فإن هذا اليوم له ما بعده». وجعل يحرضهم ويأمرهم بالصبر والحفاظ.
ثم إن المرزبان زحف بجميع عساكره وقواده ، وجعل الفيلة أمامه.
وأقبل مالك وأصحابه ، ونادى بالحملة عليهم ؛ وقال [م ٢٣٣] : «يا معشر الأزد! اعملوا معي!! ـ فداكم أبي وأمي ـ على هذه الفيلة ، واكتنفوها (٥) بأسيافكم واسنتكم». ثم حمل ـ وحملوا معه ـ على الفيلة بالرماح والسيوف ، ورشقوها بالسهام ، فولت الفيلة راجعة على المرزبان وأصحابه ، فانفضت صفوف العجم ، وجالوا جولة.
ثم تراجعت العجم بعضها إلى بعض ، وأقبلت في (٦) حدّها وحديدها. وصاح المرزبان بأصحابه ، وأمرهم بالحملة فحملوا ؛ فالتقى الجمعان. واختلف الطعن والضرب والطعان ، واشتد القتال ، وعظم النزال ، ولم يسمع إلا صليل الحديد ، ووقع السيوف ، فاقتتلوا يومهم ذلك إلى أن حال بينهم الليل. وانصرف بعضهم عن بعض ، وقد كثر القتل والجراح في الجميع.
__________________
(١) في الأصل (الحفاط).
(٢) في الأصل (أبناءكم).
(٣) في الأصل (ملككهم).
(٤) أهل الحجر والمدر ، سكان البادية.
(٥) في الأصل غير واضحة ودون تنقيط.
(٦) في الأصل (إلى).