ثم ابتكروا من الغد ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وقتل من الفرس خلق كثير ، وثبتت لهم الأزد ، إلى أن حال بينهم الليل.
فلما أصبحوا في اليوم الثالث ، زحف الفريقان بعضهم إلى البعض ، فوقفوا موقفهم تحت راياتهم ، وأقبل أربعة نفر من المرازبة والأساورة (١) يعد الواحد [م ٢٣٤] منهم لألف رجل ، حتى دنوا من مالك ، فقالوا : «هلم إلينا لننصفك من أنفسنا ، ونبارزك منا واحدا واحدا».
تقدم مالك إليهم ، وخرج واحد منهم فجاول مالكا ساعة. فعطف مالك فطعنه برمحه في صلبه ، فخر عن فرسه على الأرض ، فضربه بالسيف فقتله. ثم حمل الفارس الثاني على مالك ، وضرب مالكا ، فلم تصنع ضربته شيئا. وضربه مالك على مفرق رأسه ، فقدّ البيضة والرأس ، وخرّ ميتا ، ثم حمل على الفارس الثالث ، فضربه مالك على عاتقه ، فقسمه ، ووصل السيف إلى الدابة ، فقطعهما نصفين ، فلما رأى الفارس الرابع ما صنع مالك بأصحابه ، كاعت (٢) نفسه ، وولى راجعا نحو أصحابه حتى دخل فيهم وانصرف مالك إلى موقفه ، وقد تفاءل بالظفر ، وفرحت بذلك الأزد فرحا شديدا ، ونشطوا للحرب.
فلما رأى المرزبان ما صنع مالك بقواده الثلاثة ، دخلته الحمية والغضب ، وخرج من بين أصحابه ، وقال : «لا خير في الحياة بعدهم» ونادى مالكا ، وقال : «أيها العربي! اخرج إليّ إن كنت تحاول ملكا [م ٢٣٥] فأينا ظفر بصاحبه كان له ما يحاول ، ولا نعرض (٣) أصحابنا للهلاك»
__________________
(١) الأسوار : قائد الفرس ، وقيل هو الجيد الرمي بالسهام ، وقيل هو الجيد الثابت على ظهر الفرس ، والجمع أساورة وأساور (ابن منظور : لسان العرب).
(٢) كعت عن الشيء أكيع وأكاع ؛ لغة في كععت عنه وأكع ، إذا هبته وجبنت عنه (ابن منظور : لسان العرب)
(٣) في الأصل (يعرض).