ولما قتل سليمة أباه تخوف من إخوته واعتزلهم ؛ وأجمع على [م ٢٤٦] الخروج من بينهم. فسار إليه أخوه هناءة في جماعة من وجوه قومه ، واجتمعوا إليه ، وكرهوا إليه الخروج. وكان أكثر تخوفه من أخيه معن فقال لهم : «إني لا أستطيع المقام معكم وقد قتلت أباكم. وكان ذلك من حسد إخوتي لي وقد بلغني عن معن ما أكره. إني لأخشى أن يتوقع عليّ في بعض سفاه قومه».
فناشدوه (١) الله والرحم أن يقعد معهم ، وضمن له هناءة بتسليم الدية إلى إخوته من ماله ، وأعفوه عن القود ، فقبل ذلك سليمة ، وأقام معهم. وسلم هناءة الدية من ماله إلى إخوته ؛ فقبلها الإخوة وعفوا ، إلا معن ، فإنه قبلها ولم يعف ، وطمع هناءة أن يصلح ذات بينهم ، وكان حسن (٢) السيرة في إخوته وقومه.
ثم إن معنا خلاله زمن لا يتعرض لسليمة بسوء ، حتى أكل الدية ، ثم جعل غفلة سليمة ، ويغرى به سفهاء قومه من حيث لا يعلم به أحد. فبلغ ذلك سليمة ، فأقسم [أنه](٣) لا يقيم بأرض عمان ، وأجمع رأيه على ركوب البحر ، فخرج هاربا في نفر من قومه ؛ فقطع البحر حتى نزل بر فارس. وأقام [م ٢٤٧] بجاسك (٤) ؛ وتزوج بامرأة منهم ـ من قوم يقال لهم الاسفاهية ـ فولدت له [غلاما ، فأولاده منها](٥) يسمون بني الأسفاهية. فبينما سليمة ذات يوم قاعدا يذكر أرض عمان ، وانفراده عن إخوته ، وما كان فيه من العز والسلطان ، قال شعرا :
__________________
(١) في الأصل (فانشدوه)
(٢) في الأصل (أحسن).
(٣) ما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.
(٤) جاسك جزيرة كبيرة بين جزيرة قيس ـ المعروفة بكيش ـ وعمان ، قبال هرمز (ياقوت : معجم البلدان)
(٥) في الأصل (فولدت منها) وما بين حاصرتين إضافة لضبط المعنى.