إحداهما : أنه لما توجه إلى الحجاز ، على طريق الصعيد ، قصد بقنا ، بنت سيدى الشيخ عبد الرحيم القنائى ، زوجة الشيخ أبى الحسن بن الصباغ ليزورها ، فسلم عليها وهى فى حجابها ، فلما أراد الانفصال أرسلت إليه بسجادة ، وفيها أقراص خبز ، وقطع سكر ، وقوالب جبن ، ثم رآه بعض من كان معه ، يدق الخبز ، فتعجب من ذلك لشدة الرخص ، فسأل عن ذلك الشيخ ، فقال : هذا أدقه يكون شفاء يستشفى به ، وكحلا للأعين.
والأخرى : أنه لما بلغه موت الشيخ عبد الرزاق ، صاحب الشيخ أبى مدين ، قصد عزاء أصحاب الشيخ وولده بالإسكندرية ، فسمع أصحاب الشيخ عبد الرزاق بمجىء القرطبى معزيا فخرجوا للقائه ، فاجتمعوا خارج الإسكندرية. وكان مع أصحاب الشيخ عبد الرزاق ولد له صغير. فسلم القرطبى على ولد الشيخ وقبل قعر قدمه ، وقال له : إكراما لأبيك. انتهى بالمعنى.
ومما يحسن ذكره هنا ، ذكر شىء من حال الشيخ عبد الرزاق المذكور فى هذه الحكاية ، فمن ذلك : أن جدى قال : وأخبرنى ـ يعنى أبا عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الله الفشتانى ـ أن الشيخ أبا عثمان ـ يعنى الورياجلى ـ خرج من مدينة فاس وبلادها ، قاصدا سيدنا أبا مدين رضى الله عنه ، ليصحبه. قال : فلما قدم بجاية ، جاء إلى منزل الشيخ ، فأستأذن عليه ، فكلمه من وراء الباب ولم يظهر له ، وقال له : عليك بعبد الرزاق ، وكان عبد الرزاق فى الإسكندرية ، فسافر من ثم إلى الإسكندرية ، وصحب عبد الرزاق ، ونال منه نصيبه ، نفع الله بهم ، ثم رجع إلى مدينة فاس ، وانتفع به ، وأشهر من ظهر من أصحابه ، أبو محمد الفشتانى.
ورأيت على قبر سيدنا عبد الرزاق بالإسكندرية ـ وقبره مشهور بالديماس ـ توفى سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وقال رحمهالله : سمعت الشيخ أبا العباس أحمد بن الإمام العارف القدوة أبى الحسن الشاذلى رحمهالله ، يقول غيره مرة : كنت أتكرّر إلى قبر سيدى أبى محمد عبد الرزاق ، صاحب أبى مدين ، ومهما عرض لى أمر جئته. قال رحمهالله : فعرضت لى حاجة ضرورية. قال : فجئت إلى قبره ، وقرأت ما تيسر من القرآن ، وذكرت حاجتى. قال : ثم التفت إلى القبر ، وكان عليه الرمل ، فإذا عليه مكتوب : أحمد قضيت حاجته. انتهى.
ولهم ثلاثة قرطبيون علماء ، عاصر بعضهم المذكور ، وبعضهم تأخر عنه ، وهم : أبو