وليست على غير المداعبة محمولة ، ولو خرجت ، مخرج الجد ، لكانت جد مقبولة ، بدليل التبسم والرضى ، وانفصالها ، على أنه ليس لهذا الكلام مقتضى. انتهى.
ومما يعاب على ابن مسدى حرصه على أخذ الأجرة على التحديث ، وقد ذكر هذه القضية عنه ابن رشيد فى رحلته ، فقال فيما ذكره من أخبار الذين لقيهم بالمدينة النبوية : وأخبرنى أبو إسحاق المذكور ـ يعنى إبراهيم بن يحيى بن محمد بن يحيى الفاسى ـ أنه سمع الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى الليثى ، على ابن مسدى. وأجاز له.
وأخبرنى أنه لما جاء يسمع عليه الموطأ ، قال له : لزمتنى يمين أنى لا أسمعه إلا بعشرة دنانير عينا ، فقلت له : لو جعلت على الناس فى سماعه عشرة فلوس ، لزهدتهم فيه ، ولم يكن ما أعطيه ، فجاء بعض بنى الدنيا ليسمعه عليه. فبعث ابن مسدى إلىّ فسمعته معه ، قال ابن رشيد : وهذه جرحة ، إلا أن يتأول عليه أنه قصد بذلك تنفيق العلم ، فالله أعلم. فقد كان الرجل معروفا بالدين والفضل. انتهى.
وذكر القطب الحلبى : أن ابن مسدى ولى تصدر بالفيوم (٢) ، وأقام به ، وأن القطب القسطلانى ، أخبره أن ابن مسدى قدم المدينة سنة ست وأربعين وستمائة من مصر ، وكنت مجاورا بها ، وتوجه إلى مكة ، فحج ذلك العام ، وأقام بها ، إلى أن توفى بها ، بعد أن ولى خطابه الحرم ، وإمامة المقام. انتهى.
قلت : وليهما فى سنة إحدى وستين ، بعد الفقيه سليمان بن خليل العسقلانى.
وذكر الذهبى عن العفيف المطرى : أنه كان يداخل الزيدية ، فولوه خطابة الحرم ، وكان ينشئ الخطب فى الحال. انتهى.
ووجدت بخط الشيخ بهاء الدين عبد الله بن خليل : أنه سمع الشيخ رضى الدين الطبرى يقول ، وقد ذكرنا له ابن مسدى ، فقال : سمعته يقول : كنت أسرج السراج وأتكئ على المخدة قليلا ، ثم استيفظ ، فأقرأ أربع عشرة قائمة حفظا ، وسمعته يقول : أعرف البخارى ومسلما بالفاء والواو. ودخلت عليه يوما وفى يده كتاب ، فقال : هذا من عند أبى إسحاق البلفيقى ، فقلت له : ما ذكر فيه؟. فقال ذكر فيه : أنه رأى النبى صلىاللهعليهوسلم فى النوم ، وعنده جماعة ، وهم يذكرون قصائد ، ومدح بها النبى صلىاللهعليهوسلم : أين أنتم من قصيدة ابن مسدى الدالية. انتهى.
__________________
(٢) الفيوم : فى البلاد المصرية ، وهو نظير كبير من قرى كثيرة ، يقال إن فيه من القرى عدد ما فى قطر مصر كلها من القرى. انظر : معجم البلدان (الفيوم) ، الروض المعطار ٤٤٥ ، الاستبصار ٩٠ ، الإدريسى ١٤٦ ، خطط المقريزى ١ / ٢٤٥ ، ابن الوردى ٢٣.