فقد وقفت على هذا التأليف الجارى على القوانين والأوضاع ، والتصنيف البديع الذى ليس فيه ابتداع ، والجمع الذى يشهد لجامعه بحسن الاختراع ، والمجموع الجامع لصدق النقل وحسن الانتزاع ، والتاريخ الذى انعقد على فضيلة الإجماع ، والروض الذى ضاع نشره وما ضاع منه بل حفظ وذاع ، فانتفعت به أحسن الانتفاع ، والتقطت من فوائده ما ليس فى حسنه نزاع ، واعترفت لجامعه بحسن الجمع وكثرة الاطلاع ، وسعة المعرفة والاضطلاع.
فهو إمام له فى المشكلات انبساط ، وعلى العلم انجماع ، وحافظ فى حفظه اتساع ، وثقة فيما ينقله عن كتاب أو سماع ، وعالم له مع تواضعه ارتفاع ، ومتقن ضم إلى حضور القلب حسن الاستماع. والله تعالى يحفظ عليه ما من به عليه من التقى فهو خير زاد ، وغنى النفس فهو خير متاع ، ويديم النفع به حتى يأتى أمر الله الذى ليس له دفاع.
كتبه أحمد بن عبد الرحيم العراقى الشافعى ـ لطف الله به وبوالديه ومشايخه ـ حامدا ومصليا ومسلما فى ليلة الأربعاء الثانى والعشرين من شوال سنة سبع وثمانمائة بمنزلى بشاطئ النيل المبارك بظاهر القاهرة. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكتب الحافظ شهاب الدين ابن حجر على هذا التأليف ، ما نصه :
الحمد لله الذى جعل من تولاه بعنايته تقيا ، وفضل بعض خلقه على بعض ، فرقى منهم سعيدا وأردى منهم شقيا ، وشرف بعض الأمكنة على بعض ، فاختص البلد الحرام بالأمن والمحبة والبركة ، وكفى بذلك فخرا مرضيا.
وصلى الله على سيدنا محمد أرفع العالمين قدرا عليا ، وعلى آل محمد وصحبه الأبرار الذين حفظوا السنن ونقلوها ، وعرفوا معانيها وعقلوها ، ونظروا إلى الدنيا بعين الازدراء فما مقلوها ، صلى الله عليهم أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : فقد وقفت على هذا التأليف البديع وصفا ، الغريب صنفا ، فوجدته فاق المصنفات فى هذا الفن ، لصدق معزاه ، وتخصص بالشرف المطلق لفظه ومعناه ، فهو تصنيف شريف ، فى معنى شريف ، لبلد شريف ، اختاره الله وارتضاه.
حبّره وأجاد فى تأنيقه السيد الإمام الأوحد ، البارع المتقن ، ذو الأصل الزكى ، والذهن الوقاد الذكى ، تقى الدين ، مفتى المسلمين ، حامى حمى الفقه والحديث ، مع ما انضاف إلى ذلك من تقوى صدقت لاسمه مسماه ، وعبادة وزهادة ، وتواضع لائق بمن