وكان يرسل إليه فى كل سنة من السنين التى جاور فيها بالحرمين ، بصلة تقوم بكفايته ، وجرت له على يده صدقات بالحرمين ، منها صدقة من القمح فى سنة سبع عشرة وثمانمائة ، وصدقة من الذهب فى سنة ثمانى عشرة ، وصدقة من الدراهم المؤيدية والقمصان فيما بعد ذلك. وكان يخطئ كثيرا فى صرف ذلك ، لإعطائه من ذلك جانبا طائلا لمن لا يستحق أو لتفضيله لمن لا يستحق على من يستحق فى العطاء ، ونالته الألسنة بسبب ذلك كثيرا ، وبسبب منعه المؤذنين من المدائح النبوية وغيرها فى المنائر ليلا ، ومنع المداحين من إنشاد ذلك ، فى الأوقات التى جرت عادة الناس بكثرة الاجتماع فيها بالمسجد الحرام ، ومنعه الخطباء من الصغار فى ليالى ختم القرآن العظيم ، فى شهر رمضان ، وإيقاد مشاعل المقامات التى بالمسجد الحرام ، فى الأوقات التى جرت العادة بها فى العشر الأخير من رمضان ، وليلة العيد ، وليلة هلال شهر رجب ، وليلة هلال شهر ربيع الأول وغيرها ، لما يحصل للمصلين والطائفين من كثرة التشويق ، بسبب ارتفاع أصوات المشار إليهم ، ولما يحصل من كثرة اجتماع الرجال والنساء لسماع الخطب ، ورؤية الوقيد.
وكان منعه من ذلك فى أثناء سنة ثمانى عشرة وثمانمائة ، بعد أن وافقه على ذلك جماعة من فقهاء مكة. وكتبوا له خطوطهم بذلك. وكتب له بمثل ذلك غيرهم من علماء القاهرة.
ثم إن بعض من كتب له من فقهاء مكة ، حمله ما جبل عليه من كثرة الهوى وحط النفس ، على أن قال بخلاف ما كتب به خطه ، لمخالفة تغرى برمش له فى هواه ، وسعى عند بعض حكام مكة من جهة الدولة ، فى الإذن فى إيقاد مشاعل المقامات ، والمديح فى ليلة هلال رجب من سنة عشرين وثمانمائة. فوافقه الحاكم على ذلك ، وفعل ذلك فى الليلة المذكورة.
ولما عرف بالوقيد تغرى برمش ، خرج من منزله بالمدرسة المجاهدية بمكة لمنع ذلك ، ولم يكن له علم بموافقة الحاكم المشار إليه على ذلك ، فناله من العامة أذى عظيم ، من عظيم الذم ، وربما أن بعضهم أوقع به الفعل ، ولولا دفع بعض من يعرفه من الترك عنه ، لكثر تضرره مما ناله من ذلك. وكان ذلك فى غيبة صاحب مكة عنها. فلما حضر إليها ، أنكر على من أمر به ، أو أشار به من جهته وغيرهم ، وأمر باتباع اختيار تغرى برمش فى ذلك.