وغير ذلك كثيرا ، على جماعة غيرهم ، وبعض ذلك بقراءته.
وطلب العلم ، فقرأ الفقه على جماعة من الأئمة ، وهم : الشيخ نجم الدين الأصفونى ، وبه تخرج وعنه أخذ الفرائض والجبر والمقابلة ، والسيد شرف الدين محمد بن الحسين نقيب الأشراف (٢) بالقاهرة ، والحافظ صلاح الدين العلائى ، وأذن له فى الفتوى والتدريس ، والشيخ جمال الدين الإسنائى ، وعنه أخذ أصول الفقه ، وقرأ بالسبع متقنا لذلك على الشيخ برهان الدين المسرورى ، وأذن له فى الإقراء ، فأقرأ ودرس ، وأفتى ، وانتفع به الناس. وحدث.
سمع منه شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة ، وجماعة من شيوخنا وأصحابنا ، ولم يقدر لى السماع منه ، لكنه أجازنى غير مرة باستدعاء شيخنا ابن سكر.
وأول ولايته أنه باشر فى الحرم ، ثم ناب فى الحكم عن صهره القاضى تقى الدين الحرازى ، ثم عن جدى القاضى أبى الفضل النويرى فى الخطابة ، ثم وليها بعده على ما كان عليه ، خلا تدريس «بشير» فإنه صار لابن أخيه شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة. وناب له فتجمّل به ، واستمر حتى صرف عنه لخالى القاضى محب الدين النويرى ، فى جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين.
وتوجه بعد صرفه إلى مصر طمعا فى المنصب ، فعرض عليه مع بعض الوظائف فلم يقنع إلا بالجميع ، ففاته الجميع ، ثم عاد إلى مكة ، واستمر مصروفا حتى مات ، غير أنه حكم فى واقعتين نيابة عن خالى.
وتوفى فى آخر الثلث الأول من ليلة السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بمكة ، وصلّى عليه بعد طلوع الشمس عند باب الكعبة ، ودفن بالمعلاة على أبيه. وكثر الأسف عليه لوفور محاسنه ، وكان معظما عند الناس من شبابه ، وكان دخل فى مبدأ الكهولة بلاد المغرب واجتمع بأبى عنان بن أبى الحسن المرينى ، صاحب فاس (٣) ، فأكرمه وعظمه.
__________________
ـ يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يقذف فى النار». (٢) الأشراف : هم جماعة المنتمين ، بالنسب ، إلى البيت النبوى الشريف ، وكان كبيرهم يلقب بالنقيب ، وما زال هذا المنصب موجودا بمصر حتى الآن.
(٣) فاس : مدينة عظيمة ، وهى قاعدة المغرب ، وهما مدينتان مقترنتان يشق بينهما نهر كبير يسمى وادى فاس. انظر معجم البلدان (فاس) ، الروض المعطار ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، الإدريسى ٧٥ / ٥٠ ، البكرى ١١٥ وما بعدها ، ابن الوردى ١٤ ، صبح الأعشى ٥ / ١٥٤.