عليه ، بأن تبعث معى من يوصلنى إلى مكة ، ولا تحوجنى إلى أن أركب فرسا أملس وأهرب بنفسى ، فتخطفنى العرب. فضمن له مفرّج ذلك ، وبعث معه جماعة من طيئ ، ولم يزالوا معه حتى بلغ مكة. انتهى.
وفى هذا الخبر مخالفة للخبر الأول من أوجه.
وذكر الذهبى هذا الخبر ، وفيما ذكره فوائد ليست فى غيره فيما سبق ، مع مخالفة فى بعض ذلك. وقد رأيت أن أذكر كلامه لما فى ذلك من الفائدة.
قال فى أخبار سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة : وكان أمير مكة الحسن بن جعفر ، أبو الفتوح العلوى ، فاتفق أن أبا القاسم المغربى حصل عند حسان بن المفرج الطائى ، فحمله على مباينة الحاكم صاحب مصر. وقال له : لا مغمز فى نسب أبى الفتوح ، والصواب أن تنصبه إماما ، فوافقه ، فمضى أبو القاسم إلى مكة ، فأطمع صاحبها أبا الفتوح بالخلافة ، وسهل عليه الأمر ، فأصغى لقوله وبايعه شيوخ الحسنيين ، وحسّن له أبو القاسم أخذ ما على الكعبة من فضة ، وضربه دراهم ، واتفق موت رجل بجدة معه أموال عظيمة وودائع ، فأوصى منها بمائة ألف لأبى الفتوح ، ليصون بها تركته والودائع ، فاستولى أبو الفتوح على ذلك كله ، فخطب لنفسه وتسمى بالراشد بالله ، وسار لا حقا بآل الجراح.
فلما قرب من الرملة ، تلقته الأعراب ، وقبلوا له الأرض وسلموا عليه بالخلافة. وكان متقلدا سيفا ، وزعم أنه ذو الفقار ، وفى يده قضيب ذكر أنه قضيب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، ومعه جماعة من بنى عمه ، وبين يديه ألف عبد أسود. فنزل الرملة ونادى بإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فانزعج لذلك صاحب مصر ، وكتب إلى آل حسان الطائى متلطفا ، وبذل لهم أموالا جزيلة ، وكتب إلى ابن عم أبى الفتوح فولاه الحرمين ، وأنفذ لشيوخ بنى حسان أموالا ، فقيل إنه بعث إلى حسان خمسين ألف دينار ، وأهدى إليه جارية جهزها بمال عظيم ، فأذعن للطاعة. وعرف أبو الفتوح الحال ، وضعف وركب إلى المفرج الطائى مستجيرا به ، فأجاره وكتب فيه إلى الحاكم ، فرده إلى مكة. انتهى.
وكلام الذهبى يقتضى أن هذه الحادثة فى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، وهو وهم ؛ لأن الحاكم لم يكن إذ ذاك خليفة ، وإنما كان الخليفة بمصر أبوه العزيز. وبعده ولى الخلافة فى سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
وقد ذكر سبط ابن الجوزى فى «المرآة» ، وغيره من المؤرخين ، أنها فى سنة إحدى وأربعمائة ، وعليه يدل كلام ابن أبى منصور فى كتابه «الدول المنقطعة».