وفى الليلة التى تلى هذا اليوم بعد المغرب ، كان وصول أمر السيد حسن إلى مكة بالدعاء لصاحب اليمن مع قاصد من جهته ، ومعه المرسومان ، ثم تنافرا بعد ذلك ؛ لأن الأمير بيسق ، كان كتب شفاعات لنفسه ، وذكر فيها أنه أزال من مكة المنكر. فأخذ ذلك منه السيد حسن ، وأخذ منه قفل باب الكعبة ومفتاحه.
وكان الأمير بيسق لما أخذ ذلك ، عمل قفلا ومفتاحا عوض ذلك ، وركبه فى باب الكعبة ، وقت العصر من اليوم الثانى والعشرين من جمادى الأولى ، وأعيد القفل القديم إلى الكعبة ، وكان أمر بسدّ الشبابيك التى بالجانب الغربى ، فأذن حسن فى فتحها ، وكان أمر بنقل السوق من المسعى إلى سوق اللّيل ، فأمر حسن بإعادته إلى المسعى ، وكان نقله إلى سوق الليل ، فى أول ربيع الآخر ، وعوده إلى المسعى فى عاشر جمادى الآخرة ، واتفق أن عوده كان بحضوره ؛ لأنه كان عاد إلى مكة فى ليلة رابع جمادى الآخرة ، بعد أن بلغ كليّة(٤)، ثم سافر منها فى ليلة الثامن والعشرين من جمادى الآخرة إلى مصر ، وهو واجد على أهل مكة ، وكانوا نقموا عليه إهانته لكثير منهم ؛ لأنه رسم على القاضى الشافعى بمكة بغير موجب ، وضرب بعض فقهاء الحرم وفرّاشيه وغيرهم من أهل مكة.
ومما حمد عليه أمره لبوّابى المسجد الحرم ، بملازمة أبوابه وتنظيف الطرقات من الأوساخ والقمائم ، ونقل الكدى التى كانت بسوق الليل والمعلاة ، وأن لا يحمل السلاح بمكة ، وإخراج بنات الخطا والمخنّثين وغيرهم من أهل الفساد من مكة.
وكان سبب إقامته بمكة ، توليه لأمر عمارة المسجد الحرام ؛ لأن فى آخر شوال سنة اثنتين وثمانمائة ، احترق منه الجانب الغربى ، وبعض الجانب الشمالى ، فقدم المذكور إلى مكة فى موسم سنة ثلاث وثمانمائة ، وأقام بها لأجل ذلك إلى التاريخ السابق. ووكّل بباقى العمارة جماعة من غلمانه. وقد أوضحنا فى كتابنا «شفاء الغرام» ومختصراته ، خبر هذه العمارة وسببها أكثر من هذا.
وفى أول رجب من هذه السنة ، وصل بعض الأشراف آل أبى نمىّ ، وهم شميلة بن محمد بن حازم ، وعلى بن سويد ، وابن أخيه ، إلى حسن ، وسألوه فى الصلح ، فأجابهم إلى ذلك مدة سنة ، ولم يذكر لهم أن القواد العمرة يدخلون معه فى الصلح ، ولما سمع بذلك القواد العمرة ، شق ذلك عليهم. فذكر لهم أنه لم يدخلهم معه فى الصلح ، وإنما
__________________
(٤) كلية : قرية بين مكة والمدينة. انظر : معجم البلدان (كلية).