جميع أظهر أن الذى أخذه له حسن بمكة ، لا يساوى إلا هذا المقدار ، لئلا يكثر فيه طمع مخدومه ، وقال سرّا : إن ذلك يساوى ثمانين ألف مثقال. حكى لى ذلك عنه الجمال المصرى بنخل زبيد. وكان ممن سعى فى ذلك عند السيد حسن ، مولاه القائد زين الدين شكر ؛ لأنه كان قدم إلى اليمن فى أثناء هذه السنة ، بعد أن وصلته ذمة من صاحب اليمن.
فلما اجتمع بصاحب اليمن ، سأله فى إطلاق الجلاب إلى مكة ، فقال : لا يكون إلا بعد تسليم المال ، فوافقه على القدر المذكور ، فرضى به السلطان. وعاد شكر إلى مكة ، فبلغها فى العشر الأخير من رمضان. فعرف مولاه الخبر ، فما أمكنه إلا الموافقة ، وسافر من مكة فى أوائل شوال ، بعد أن حصّل عروضا من القماش والحرير يساوى ذلك ، فلما بلغ كمران أقبلت الجلاب إلى مكة ؛ لأن السلطان قال لهم : إذا وصل إليكم شكر ، فاذهبوا إلى مكة ، وكان لهم بكمران مدة على نية التنجيل بينبع ، وكان المقدم على الجلاب ، القاضى أمين الدين مفلح التركى الملكى الناصرى. فوصل إلى مكة فى أوائل العشر الوسط من ذى القعدة ، ونجلت الجلاب بجدة ، وتوجه بعد الحج إلى اليمن ، بعد أن جمع أعيان الناس من أهل مكة والمجاورين بها ، لقراءة ختمة شريفة بالمسجد الحرام ليلا ، وأمر بإهداء ثوابها لمخدومه ، والدعاء له. واحتفل بإحضار شمع كثير أوقد فى حالة القراءة ، وإحضار بخور وطيب للحاضرين ، وعمل فى صبيحة هذه الليلة سماطا عظيما ، حضره الأعيان من الناس وغيرهم ، وفعل فى مدة مقامه بمكة معروفا كثيرا.
وفى موسم هذه السنة ، أقبل السيد حسن ، على الحراشى. وكان قد نافر السيد حسن فى سنة اثنتى عشرة ، ووشى به إلى الناصر صاحب مصر ، مع من وشى به. وكان ممن أبلغ فى ذلك لكونه يعرف حاله لخدمته له.
فلما خاب سعيه فى حسن ، لرجوع الناصر عما كان وافق عليه من عزله ، أقام الحراشى بينبع ، ولايم ولاتها ، واكتسب مالا ، وصار يغرى صاحب اليمن بحسن ، فأشار حسن إلى إخراجه من ينبع فتوجه إلى مصر ، فلقى بها سوءا ، وأمر السلطان بإيصاله إلى حسن. ووصل مع الحاج إلى مكة والباشة فى عنقه.
فرآه حسن فى هذه الحالة وحيّاه ، ونزل برباط الشّرابى عند الأمير. وكان يخرج ليلا للطواف مع بعض غلمان الأمير. فلما كانت ليلة يوم التروية ، خرج كذلك وانفلت ممن هو موكل به ، ومضى إلى مكى بن راجح. وكان موادّا له ، فعرف به حسنا ، فما راعاه