بملكها ، فيه شهود أدوا فيه عنده ، فسأله من بيده المحضر ، الحكم به ، وتسليم البقرة إليه ، فقال له : كيف أسلمها إليك وهى تقول إنها لخصمك ، وتخبر أن المحضر زور ، فاعترف بذلك وأظهر التوبة وسلمها لخصمه. ولما اتصلت هذه الحكاية بقاضى القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن السكرى قاضى الديار المصرية ، عزله عن نيابته ، وكتب إليه يقول له : كان ينبغى لك أن تعمل فى القضية بظاهر الشرع وتسلم البقرة لمن أثبتها ، فلما اتصل به ذلك قال لمن حضر : اشهدوا على أنى قد عزلته وذريته من بعده ، فعزل القاضى عماد الدين ، ولم يعد إلى القضاء ولا وليه أحد من ذريته ، حتى إن حفيده القاضى عماد الدين ، نوه له غير مرة بالولاية ، وربما وصلت له الخلعة ، ورسم بكتابة تقليده ، فيعدل عنه إلى غيره ، ولا يتم أمر تصديقا لما أخبر به القاضى رضى الدين الشهيد الناطق.
وكان ولى القضاء بالبهنسا (٢) وغيرها من الصعيد الأدنى ، وتوفى فى ذى القعدة سنة ست عشرة وستمائة شهيدا بظاهر دمياط ، وبنى عليه مشهد ، فيعرف بمشهد الشهيد الناطق.
وسبب شهرته بذلك ، أنه كان يحرض أصحابه على القتال ، ويرغبهم فى الجنة ، وتلا عليهم قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [آل عمران : ١٦٩] فلما قتل ، قال له قاتله : أنت تقول : إن الله قال : (وَلا تَحْسَبَنَ) ـ الآية فها أنت الآن ميت ، فاستوى جالسا وقال : نعم أحياء ورب الكعبة ، وتلا الآية إلى آخرها ، فأسلم.
نقلت وفاته من «التكملة» للمنذرى ، وذكر أنه تفقه على مذهب الإمام مالك ، وصحب جماعة من الصالحين ، وانتفع به جماعة. وكان موصوفا بالصلاح والخير والإيثار ، محبا للفقراء مكرما لهم ، ينقطع إلى ما يفضى براحتهم ، مبالغا فى ذلك.
وذكر أن العقيلى ، بفتح العين ، ولم يبين إلى من هذه النسبة ، وهى إلى عقيل بن أبى طالب على ما اشتهر عن [....](٣) قال فى تعريفه : الجزولى.
وحكاية البقرة وما يتعلق بها ، نقلتها من تاريخ الشيخ شهاب الدين أحمد بن
__________________
(٢) البهنسا : مدينة بصعيد مصر فى الجهة الغربية من الخليج الخارج من معظم النيل وهى عامرة بالناس جامعة لأمم شتى ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة أيام وبهذه المدينة تعمل الستور البهنسية. انظر : الروض المعطار ١١٤ ، الإدريسى ٥٠ ، جنى الأزهار ١٠ ، معجم البلدان (البهنسا).
(٣) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.